دشنت وزارة العدل قبل أيام، برنامجا لتأهيل وتدريب عشرات السجناء، داخل مركز تابع للجيش الوطني بمدينة روصو جنوبي البلاد، في خطوة تجريبية، ربما تكون بادرة لسياسة عقابية جديدة طال انتظارها.
وبالرغم من أهمية هذه المبادرة الرائدة، إلا أنها لم تحظ بالزخم الإعلامي المناسب، لأهميتها كخطوة نوعية ذات أبعاد أجتماعية وأمنية و اقتصادية نوعية، وستعطي نتائج أكثر من إيجابية لو تم توسيع نطاقها وتعميمها داخل المؤسسات السجنية، خاصة مع الحديث عن تحسن الطاقة الاستيعابية للسجون، مما يسمح بتنفيذ سياسة عقابية راشدة تتجه نحو إصلاح السجين، وتتجاوز النظرة التقليدية للعقوبة باعتبارها مجرد انتقام من الجاني وجزاء يجب أن يلحقه كردة فعل على ما اقترفه في حق المجتمع.
هذا المنطق هو الذي أدى إلى فشل السياسة العقابية الحالية والتي تعتبر أن العدالة الجنائية تتحق بمجرد الزج بالجناة في غياهب السجون ومع الإفراط في الاعتقال و تنامي ظاهرة الجريمة والعود، تحولت السجون إلى مخازن بشرية يتكدس فيها مئات الجانحين، دون مراعاة لتفاوت خطورتهم يتقاسمون الإحساس بالضياع ولَم يعد أمامهم من أمل للعودة للحياة الطبيعية، فخارج السجن تنتظرهم وصمة العار في المجتمع، وداخل السجن عالم يدفع لاحتراف الجريمة خاصة مع انتشار المخدرات داخل السجون.
وهكذا لم يكن غريبا أن تجد الكثير من نزلاء السجون في حالة عود أكثر من مرة وبالاستمرار في هذه الدائرة المغلقة أصبح الجناة معروفون لدي الدوائر الأمنية والقضائية ولَم يعد القبض على الجناة بالأمر الشاق وعلينا أن نعترف للأجهزة الأمنية بالجميل فهي كثيرا ما تلقي القبض علي الجناة بسرعة حتي انه بالكاد ولله الحمد لا توجد جريمة مقيدة ضد مجهول.
ومع هذا، كثيرا ما تسجل حالات من تصاعد الجريمة ويعرف رجال الأمن و القضاء أنه كلما كان هناك عفو أو انقضاء محكومية احدي العصابات او احد محترفي الاجرام سجلت عمليات سطو وسرقة.
إذاََ على الدولة و المجتمع أن يدركا أن الخلل « في المنظومة العقابية البالية »، ومن هذا المنطلق نثمن عاليا تجربة تأهيل وتدريب السجناء خلال فترة محكوميتهم، هذه السياسة العقابية وحدها هي ما سيحد من تزايد الجريمة، وسيجعل المجتمع يتصالح مع بعض الأفراد الذين قادهم حظهم العاثر أو ظروفهم الصعبة إلى أن يكونوا نزلاء السجون، ويجب أن ندرك أن الجريمة ليست قدرا حتميا، بل يجب أن يمنح الجاني أملا في غد أفضل، ولن يكون ذلك إلى بتشييد مزيدا من مراكز التكوين ودور التاهيل وإعاة الدمج الاجتماعي.