سباق مع الزمن لانهاء 145 كلم بكلفة 12 مليار و700 مليون
الطينطان ـ يعقوب ولد باهداه
“إنه شلل جزئي ذلك الذي تعيشه المنطقة وإن باغتتنا الأمطار قد نتوقف نهائيا وتكون كارثة” بتلك العبارة لخص “بونه” المشرف على أعمال مقطع من الطريق الذي تقوم شركة الاشغال والنقل والصيانة ATTMبإعادة تشييده بعد أن دمرته العوامل الطبيعية وبات خطرا على سالكيه.
مباشرة بعد خروجها من كيفه عاصمة ولاية لعصابه تجد عشرات السيارات المتجهة يوميا نحو الحوضين الغربي والشرقي نفسها في وضع حرج، الطريق المعبد اختفى تماما، وبات لزاما عليها أن تسلك طرقا التفافية وعرة، تجبر العديد من الشاحنات على التوقف حتى ساعات متأخرة من الليل، في حين تسلك عابرات الصحراء طرقا أكثر أمانا، ليبقى الخطر الحقيقي من نصيب باصات النقل والسيارات الصغيرة.
12 مليارا و700 مليون أوقية هي المبلغ المالي المحدد لانجاز الطريق الذي يصل طوله إلى 145 كلم إضافة إلى 24 كلم من الطرق الحضرية داخل مدينة الطينطان بتمويل مشترك بين موريتانيا والصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى.
موسم الأمطار على الأبواب، ومزن السماء بشرى خير في نهاية صيف طال كثيرا، مما يهدد بجفاف، لكنها أيضا مصدر قلق لسكان الحوضين وجزء من لعصابه ذلك أنه ما لم يكتمل الطريق المتقطع الأوصال فإن خطرا حقيقيا يتهدد المنطقة، أي أن جزءا مهما من البلاد سيظل لفترة في عزلة تامة.
تجهيزات ضخمة وآليات ثقيلة وعشرات العمال، انتشروا على طول الخط الذي كان يمثل طريقا معبدا قبل أن يختفي تماما، وشيدت شركة ATTM التابعة للشركة الوطنية للصناعة والمناجم (SNIM) مدينة مصغرة عند البوابة الشمالية الشرقية لمدينة كيفة ثالث أكبر مدينة في البلاد، لتكون حيا سكنيا للعمال والمشرفين على العمل، و مع وجود مكتب دراسات تونسي يتولى الإشراف العام، إلا أن عددا من السكان الذين التقتهم صحراء ميديا يشكون السكان من بطء سير الأعمال.
يعود الطريق المعبد من جديد، غير أن الهشاشة لم تبق منه ما يمثل أمانا لسالكي “الأمل” الطريق الأطول في موريتانيا (1200 كلم)، قبل أن يصلوا إلى “الطينطان”، بل وحتى إلى العيون عاصمة ولاية الحوض الغربي.
سيدي لمين أحد سكان مدينة النعمه، قال لصحراء ميديا وهو يسترد أنفاسه في الطينطان بعد رحلة طويلة وشاقة في باص تابع لاحدى شركات النقل العابرة للحدود، إنه قطع المسافة من نواكشوط واقفا بمحاذاة والدته العجوز التي لا يمكن أن يأمن عليها خطر الطريق، ويؤكد نيته مواصلة المشوار على الحالة نفسها، حتى يصل النعمه.
لكن طاهرو (37 عاما) مالي الجنسية كان أسوء حظا من سيدي لمين، فوالدته التي لا تبدو على ملامحها الشيخوخة اضطرت للدخول في مركز صحي إثر تعرضها لارتجاج، ولألم في الظهر بعد رحلة وصفها ابنها بـ”معاناة غير متوقعة”. حيث يسارع سائقو باصات شركات النقل وغالبيتهم ماليو الجنسية للالتزام بمواعيد الوصول المحددة، غير آبهين بوعورة الطريق وخشونتها التي اعتادوها وما عادت بالنسبة لهم تستحق الخوف والسير ببطء.
يقول مراقبون محليون إن ذلك السلوك هو الذي أدى إلى الحادث الكارثي في “قطع تمبه”، قرب مدينة تمبدغة وتحديدا على بعد 80 كلم من مدينة النعمه، والذي توفي خلاله 9 أشخاص وجرح 34 آخرون بعد أن سلب النوم من السائق المالي قدرته على القيادة متسببا في انقلاب باص حمولته 67 شخصا غالبيتهم من الأوساط الفقيرة والمتوسطة، ليلوذ السائق المذعور بالفرار خوفا من ملاحقة الذنب، غير أنه سرعان ما وصل ودماءه تلاحقه بعد إصابته في الرأس، لأحدرجالات تمبدغه المعروفين، طالبا منه توفير وسيلة نقل إلى مالي فأشار إليه بتلبية طلبه وماهي إلا لحظات و وصلت سيارة الدرك الوطني الموريتاني لتلقي القبض عليه.
في الذكرى التاسعة والأربعين لاستقلال موريتانيا (نوفمبر 2009) أعطى مولاي ولد محمد الأغظف الوزير الأول، إشارة انطلاق الأعمال في الطريق، وبعد سنة ونصف لم تكتمل العملية بعد، ويأمل القائمون عليها إكمالها في أقرب وقت، ولم يعد من الممكن إعطاء موعد قبل موسم الأمطار هنا، فزخات المطر بدأت تتساقط، ومقاييس الرصد تترقب كميات خلال الأيام القادمة… وحدها 45 كلم من الطريق بإمكانها أن تشكل ملاذا من السيول، غير أن الـ 100 المتبقية لم تلح نهاية العمل بها في الأفق بعد.
وفي الحادي عشر مارس الماضي زار يحيى ولد حدمين وزير النقل المعين حديثا المنطقة لتفقد المراحل التي وصل إليها الطريق والتخطيط لتسريع واسترجاع ما فات من الوقت حتى لا يكون على حساب فترة تنفيذ المشروع، قائلا انه من المقرر أن ينتهى في يوليو من سنة 2012.
وفي الطينطان لم تتمكن أربع سنوات من تجاوز ذكرى الفيضان القاتل، عشرات الدور بدت عارية وخاوية على عروشها وآثار المياه واضحة، تاركة بصمة تظهر أنها كانت تحتل أكثر من 50% من تلك الدور طاردة السكان مرعوبين.
بات الأمل معلقا على مشروع طال انتظار اكتماله..انه “الطينطان” الجديد على تلال تشكل طوق نجاة من المياه في منطقة تعرف معدلات مرتفعة للأمطار، والسيول العابرة للوديان، حيث مدينة جديدة خصصت لها تمويلات كبيرة خاصة تلك قدمتها المملكة العربية السعودية.
مخطط المدينة الجديدة يقضي بتشييد 24 كلم من شبكة الطرق الحضرية وتم إضافة طريق بطول 12 كلم داخل المدينة، استجابة من وزارة النقل الموريتانية لطلب تقدم به والي الحوض الغربى وعمدة بلدية الطينطان.
ما تبقى من مياه الفيضان تحول إلى نهر بمحاذاة المدينة، يشكل اليوم مزارا لعشرات المصطافين من شباب الطينطان يبحثون عن هواء جديد في صيف ساخن، وربما يتناسون هول الكارثة التي حلت بمدينتهم الهادئة قبل أربع سنوات.