سكانها يعتاشون على التجارة والتنمية.. وتعيش اليوم “صدمة الوباء”
إبلغان – محمد ولد زين
هدوء يخيم على قرية “ابلغان”النائمة على بعد 15 كيلومترا إلى الجنوب الغربي؛ من صحراء أبي تلميت .. ما كان لسكان هذه القرية الذين تختزل يوميات قريتهم بسنينها الـ 78 تاريخا من “التهميش والحرمان وتجاهل الإدارة ” ، أن تتحول بين عشية دون ضحاها من غياهيب النسيان إلى واجهة الأحداث، اثر حمي غامضة أصابت 7 أشخاص.
محمدن ولد اباه؛ شاب عشريني (الفيديو)؛ شاءت الصدف أن يكون أول المصابين، ويذكر انه خلد للنوم بصحة جيدة وبدل أن يجلب له الأخير الراحة، أورثه لحظة الاستيقاظ “الحمي وآلام الرأس ووجع العظام”.
“لم استطع تمييز ما اشكوه بالتحديد “؛ يقول محمدن ـ وهو يستذكر مفعول الإسعافات الأولية التي تلقاها طيلة اليوم الأول من الحجز في مستشفي حمد “كنت مذعورا لأني أري الأطباء يحقنوني ويجرون الفحوصات وحالة الهلع تسيطر على أهلي” .
ولد اباه؛ أكد لصحراء ميديا انه كان مفزوعا عند كل لحظة يري فيها احد الأقارب يقاسمه المعاناة، “أحسست بالخطر فعلا وأنا المضغوط بآلام لا يمكن وصفها”؛ وفق تعبيره.
وخلف هذا الشاب؛ تجلس والدته فاطمة منت محمد الإمام 45 عاما، وهي الخارجة للتو من المستشفي تحاول بصوت خفوت أن تحكي لنا قصتها مع هذه الوعكة؛ ما استدعى منا الاستعانة أكثر من مرة بدليلنا احد وجهاء القرية، لكي نتمكن من سماع رواية فاطمة؛ التي تؤكد أنها “تماثلت للشفاء،من الحمي وآلام الرأس، لكنها تشعر بين الفينة الاخري بحالات تشبه الإغماء”.
منت محمد الإمام؛ وهي تحاول إسكات صبيتها ، أجزمت أن الوباء الذي اجتاح القرية “اصاب غير المصابين بحالة من الخوف نتيجة الأعراض المتسارعة والمتشابهة عند المصابين من الجنسين”.
المسؤول الأول عن القرية احمد يعقوب ولد إفكو (الفيديو)؛ والذي عايش هذه المحنة أكد في تصريح لصحراء ميديا أن زوجته منت الخير منت المولود 64 سنة أصيبت بهذه الحمي رفقة ابنهما عبد الله 20 سنة، كان “الامر محزنا خاصة مع تسارع حالات الإغماء والآلام الحادة، ما استدعي نقلهم إلى مستشفي المقاطعة”.
وأضاف ولد إفكو؛ انه بعد ظهور نتائج الفحوصات والتي أكدت سلامة المصابين من أية أوبئة او أمراض خطيرة، عاد الجميع إلى القرية بعد ثلاثة أيام من العلاج في مستشفي حمد، مؤكدا أن بلدتهم تشهد في مثل هذه الأيام من كل سنة ظهور بعض الأمراض، كما هو الحال في السنة الماضية “حين أصيب عدة أشخاص بحمي شديدة صاحبها إسهال مزمن”، متمنيا أن تعود “الأمور إلى سابق عهدها وتزول حالة الهلع الملاحظة منذ أيام”؛ حسب تعبيره.
خلال تجوالنا بين الأسر التي أصيب بعض أفرادها رفقة مسؤولي القرية محمد ولد معمر ولد بيه إزيد واحمد يعقوب ولد إفكو؛ كان لافتا أن اغلب المصابين يجدون صعوبات بالغة في الكلام، وإن تحدثوا يكون الصوت منخفضا، وعلى محياهم تتبدي آثار الوعكة، وان كان بعضهم لم يتعافي بما فيه الكفاية.
يجمع المصابون والوجهاء؛ أن ما حدث لا علاقة له البتة بتسمم المياه او تناول لحوم حيوانات مصابة، وان الموضوع لا يعدو كونه حالات من حمي الملاريا ضخمها الإعلام الذي لم يتحري الصدق فيما ينشر، شاكرين لصحراء ميديا كونها وسيلة الإعلام الوحيدة التي تجشمت عناء السفر لتقصى الحقيقة الكاملة.
محمد ولد معمر ولد بيه إزيد أحد الوجهاء؛ أكد أن عدد المصابين “لم يتجاوز 7 أشخاص”، في حين تحدث بعد المصادر الإعلامية عن ارقام تفوق هذا العدد بكثير.
“إبلغان”.. كما تبدى لنا
من الكيلومتر السادس غرب بوتلميت، بدأت الرحلة جنوبا عبر طريق وعرة تمتد خمسة عشر كيلومترا، “القرية قديمة، ويمكن الوصول لها عبر طريقين”؛ يقول دليلي السائق “ولد امسيلم” العارف بـ”تيبوغرافيا المنطقة” أكسبته إياها 35 سنة من مزاولة النقل في المنطقة.
عثرات الطريق، أرغمتنا على التوقف مرات عديدة لالتقاط الصور، وبعد قرابة 40 دقيقة من السير؛ تبدت لنا معالم قرية بدت متناثرة المنازل من بعيد، وأول ملاحظة تستوقف الزائر هي البعد التنموي لقرية يسودها هدوء نسبي بعد أربعة أيام بلياليها، حبست أنفاس الساكنة عل غموض الموقف ينجلى.
“ابلغان” تم تأسيسها 1927 لينهار هذا البئر سنة1961 ويتم استبداله بآخر، وتبعد القرية القديمة 6 كيلومترات جنوب القرية الحالية ، والتي تم تأسيسها سنة 1976 محتفظة بالاسم القديم “ابلغان”، واسمها الحالي “ابير الصلاح” كما يحلو لخاصة الساكنة تسميتها.
يبلغ تعداد سكان هذه القرية 300 نسمة ينشطون في التجارة والتنمية، وتعاني حسب مسؤوليها من تجاهل الإدارة المحلية لهم ، وهو ما فسره بعضهم بكون “ابلغان” كانت معقلا من “معاقل حزب التكتل وظل سكانها أوفياء لأحمد ولد داداه”، يقول محمد ولد معمر.
وأضاف ولد بيه إزيد؛ عندما أدركنا أن الإدارة لا نعنيها في شيء، اعتمدنا على وسائلنا الذاتية ونجحنا في “إقامة خزان مائي 2002 ومدرسة من فصل واحد 2000 ، فضلا عن إقامة مشروع زراعة الخضروات”، وحتى أن الإدارة منعتنا أخيرا من الاستفادة من الناموسيات التي وزعت في المقاطعة.
داعيا السلطات إلى مراجعة موقفها من قريتهم التي ظلت “محرومة من أبسط خدمات الإدارة”، مستشهدا بأن القرية أقامت لنفسها مدرسة بإمكانياتها الخاصة، وبخلت عليها السلطات المحلية بمعلم إضافي، مما أرغم المعلم الوحيد إلى تدريس قسم واحد يتنقل به من سنة إلى أخرى، وهو ما حرم بعض الأطفال من نعمة الدراسة في الوقت المناسب، وبالتالي “لجأ ذويهم إلى عاصمة المقاطعة أو إلى أماكن أخرى لتمكينهم من الدراسة”، حسب تعبيره.
.. وللمرأة حضور
وفي الناحية الجنوبية من القرية، نسوة ينشطن تحت أشعة الشمس الحارقة، بين أخبية مشروع الزراعة بالقرية، الممول من طرف التعاون الاسباني، والذي يحاولن من خلاله توفير احتياجات الساكنة من الخضروات، وهو “ما لم يتحقق حتى الآن، بفعل نقص الأسمدة، وبدائية الوسائل المستخدمة”؛ تقول منت لخير منت محمد).
مشروع القرية يضم أنواعا متعددة من المزروعات منها الجزر والطماطم، والذرة، والنعناع، وأكثر هذه المزروعات نجاحا زراعتي “برجين وابيصام، وما سواهما لا يبعث على التفاؤل”، تضيف منت محمد.
اختلفت تصريحات النساء حول تاريخ إنشاء المشروع، ففي الوقت الذي ذهبت فيه سيدة إلى القول إن المشروع تم العمل فيه منذ 2004، رأت أخرى أن بدايته الفعلية كانت العام الماضي، فيما اكتفت ثالثة بالقول “المهم انه متعب وضعيف الإنتاج، لكنه أفضل من لا شيء”، وفق تعبيرها.
{youtube}ljnsYUh8p2c{/youtube}