ضمت عشرات الآبار.. وجرت على أرضها معارك.. وتحتفظ بعدد من المقابر القديمة
نواكشوط ـ محمد ناجي ولد أحمدو
قبل أربع وخمسين سنة من الآن أصدرت السلطات الفرنسية قرارا يقضي باعتبار نواكشوط عاصمة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، التي لم تولد بعد..
كان التحدي كبيرا، إذ أن بناء مدينة عصرية من الصفر في مضارب بدو، لم يعرفوا الحضارة (بمفهومها المادي المتمثل في البنايات والتراث المادي)، يعد أمرا بالغ الصعوبة.
غير أن المدينة غدت أمرا واقعا، على أطلال تجمعات وآبار موسمية، لتندثر حضارة الرحل، وتقوم على أنقاضها نواكشوط، عاصمة موريتانيا.
قليلون جدا من ساكنة المدينة، من يعرفون أن لها تاريخا يسبق استقلال موريتانيا، فالجميع فقط يعرفون أن نواكشوط اسم بئر يقع في مقاطعة لكصر، وأن ساكنتها خلال الخمسينات كانوا لا يصلون إلى بضع مئات، لكنهم لا يعرفون أن هناك تجمعات وآبارا في الحيز الجغرافي لنواكشوط، غير البئر “المركزي”.
بعض تسميات أحياء العاصمة هي مسميات لأماكن موجودة قبل وجود نواكشوط، فـ”تفرغ زينه”، الحي الغني شمال غرب العاصمة، اشتق اسمه من أضاة كبيرة، توجد بين مدرسة الشرطة ومبنى التلفزيون الموريتاني، تحمل الاسم نفسه، وكان يفد إليها المنمون والبدو خلال مختلف فترات السنة؛ لأنها لا تنضب بسرعة.
لنذهب شمالا قليلا، سوف يصادفنا الحزام الأخضر الذي يحمل اسما تقليديا، باللغة الصنهاجية، مستوحى من معركة حامية الوطيس جرت على أرضه قبل أكثر من ستة قرون، (الناس انيارت)، والمعنى عظام الناس، في إحالة إلى موقعة بين فصيلين من أولاد رزق، وانتشار الجثث التي استحالت عظاما بفعل الزمن.
نواصل شمالا على طريق نواذيبو، وبالضبط عند الكلم الخامس منه، حيث سيقام مشروع الجامعة الجديدة، يحمل المكان اسم “خشم انبيكات”، ونتجاوز قليلا لنتوقف عند الكلم السابع، المكان يحمل اسم “برك” فعل أمر بمعنى أنخ عن جملك، في إحالة إلى الاحتفاء بالضيف.
نعود أدراجنا، لنمرور قرب القصر الرئاسي المكان يسمى ” اعقيلت ام ركبه”، وحل الأسمنت المسلح والحدائق الكثيفة محل شجيرات الثمام.
في منطقة لاس بالماس بالضواحي الغربية للعاصمة يوجد بئر قديم يحمل اسم “احسي لمحار”.. أما ميناء الصيد التقليدي فأقبم في مكان يسمى “طرفاية منصور” كان مصيدا لإيمراغن، أما الميناء الجديد (ميناء الصداقة)، فقد أقيم على زبارة (كثيب يلي البحر)، تسمى ازبارة لعظم، وقد ورد في أدب شعبي لصلاح ولد المقري، شقيق الشاعر الشهير الشيخ كلاه، وهو أحد سكان المنطقة الأصليين:
كافِ من وعظك يانَ شَوْفْ تطلع فوك ازبارت لعظم
تزرك عينك يغلبه شوف عادت تيدومت تنمحم
(إلخ)
وتيدومة تنمحم كانت موجودة عند المرتفع الذي توجد فيه مقبرة سعيد، شرق الكيلومتر 15 على طريق روصو .
لنعد أدراجنا، يبدو أننا غادرنا المجال الجغرافي للعاصمة، فما زالت لنا جولة في أحيائها، حيث يحمل الكيلومتران 12 و11 التابعان لمقاطعة الرياض جنوب نواكشوط اسم “تنبغرلي الحمير”، ويليهما غربا منطقة تسمى افندان ابهدو وافند مريم.
غرب الكيلومتر 13 مكان التجمع السكني، الذي سوي بالأرض تحت دعوى عدم التشريع له، تسمى المنطقة فروة كابون، وتمتلئ أحيانا بمياه البحر وكان آخر مرة حدث فيها عام 1986.
أما حي الكيلومتر 7 على طريق روصو فيحمل اسم أحسي بب، ويسمى الحيز الجغرافي الذي تموقعت عليه مقبرة نواكشوط المركزية (حاسي باميره).
وتحمل الساحة الواقعة جنوب المركز المهني لتكوين طلاب المحاظر، وهي الساحة التي عرفت مهرجانيين انتخابيين للرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، تحمل هذه الساحة اسم “احسي الشارات”، طبعا لا علاقة لشارات نواكشوط بشارات المذرذرة، إنما هو ترادف الأسماء فقط ، لا غير.
فيما تعرف المنطقة الواقعة قرب المحطة الطرقية بالميناء، في الحيز الواقع ما بين محطة الوقود وملعب المصارعة، باسم (احسي لمحار القبلي).
ومن الملاحظ أن السكان التقليديين لنواكشوط كانوا، في القديم، يتحاشون دوما المبيت أو الإقامة في غالبية المجال الجغرافي لمقاطعتي الميناء والسبخة، لكونهما تقعان تحت مستوى سطح البحر،وغالبية أجزائهما سباخ، مما يعرضها لاحتمالات الغمر بمياه البحر.
لنترك السبخة والميناء، ونعرج على نواكشوط الصميم، ففي منطقة لكصر، وبالذات قرب مستشفى الامومة والطفولة، الذي كان سابقا مقر إقامة الوزير الأول، توجد “أحساء” ـ آبارـ نواكشوط القديمة.
وشمال آبار نواكشوط تتموقع آمورات الحماميات قرب سوق تيارت الحالي، فيما أقيمت مباني الاتحادية الوطنية للنقل على أنقاض كثيب كان يحمل اسم “إجوك”، وتقع شماله مباشرة عين بيله.
في مقاطعة دار النعيم شمال شرق العاصمة، والتي تحمل اسما شبه رسمي على أفواه المواطنين هو “لمزيلقه”، يبدو أن الأمر يتعلق بتسمية الشيء بجزء منه، فالمزيلقه هي أضاة كانت توجد قرب مباني المقاطعة.
وقرب شارع المقاومة، الذي يحمل شعبيا اسم شارع عزيز ، إلى الشمال توجد عين تنويكنين، أما في الشرق فهناك “كود بوحجرة” والربد وتنسويلم وبوحديدة وتوجنين، وهي ما زالت تحتفظ بأسمائها.
شرق مستشفى زايد توجد مقبرة قديمة لم تندرس، تعرف باسم مقبرة ابيبي، وقد أقيم عليها جدار، وما زال الأهالي يدفنون فيها الأطفال الصغار.
ليست تلك المقبرة القديمة الوحيدة في نواكشوط أو على أطرافه، فهناك مقبرة “انيبرش” التي تقع قرب مركز الإرسال شمال غرب العاصمة، وما زال غالبية الساكنة التقليديين لمجال نواكشوط، يدفنون فيها موتاهم، ومن بين أبرز المدفونين فيها: أحمد ولد محمذن ولد بحبيني والمسك ولد هانيه، وسيدي محمد ولد هيداله والد الرئيس الموريتاني الأسبق محمد خونا ولد هيداله، والحاج اكويمل ولد كوتل ممدوح الشاعر محمد ولد ابنو.
فيما يوجد مدفن (خشم حميدي)؛ شمال مقاطعة دار النعيم، ولعل من أبرز وآخر نزلائه العلامة ان ولد الصفي المدفون فيه قبل أشهر، وتقع مقبرة انواجيلال شرق السجن المركزي، وما زال الاهالي يدفنون فيها موتاهم.