النعمة ـ الرجل ولد عمر
في منطقة أمنية محظورة وعلى ملعب محاذ لقيادة المنطقة العسكرية الخامسة في مدينة النعمه، تقرر أخيرا أن يمارس مدنيون أكثر رياضات العالم شعبية؛ فبحكم موقع الملعب واختصاصه في إيواء جنود وضباط الجيش، تم تطويقه بحواجز رملية بارتفاع يزيد على المترين في بعض المواقع، تدعمها صخور إسمنتية وحجارة صخرية أقامتها الجرافات، بهدف إعاقة حركة المارة والسيارات.
نقاط الحراسة تنتشر هنا وهناك..تنبعث منها صيحات حراس الثكنة العسكرية، اتجاه كل من يقترب من المكان أو يهم باجتيازه ليلا أو نهارا، لكن ربما للضرورة أحكام؛ فقد تسببت أعمال الترميم في الملعب الجهوي للولاية بنقل بطولة كرة القدم بالحوض الشرقي إلى منطقة عسكرية محظورة.
“نتوقع أن تستمر أشغال الصيانة في الملعب الجهوي للولاية لغاية أكتوبر القادم” يقول المندوب الجهوي للشباب، تام محمد الحسن متحدثا الى صحراء ميديا.الإجراء على الرغم من حساسيته، يأتي مساهمة من العسكريين في إنجاح، واحدة من أهم التظاهرات الشبابية التي تعرفها ولاية الحوض الشرقي، والتي يقام حفلها الختامي في حضور وزيرة الثقافة والشباب والرياضة وفي سياق الأسبوع الجهوي للشباب والرياضة، وتحت وصاية جديدة للولاة، بدل المدراء الجهويين للشباب كتقليد جديد أقرته وزارة الثقافة مؤخرا؛ بحسب مندوب الشباب.
خوض التصفيات الرياضية على أرضية ملعب العسكر “طقس أمني” قمة في الدقة والحساسية، خاصة إذا علمنا أنه حاجز أمني بين ما هو عسكري وما هو مدني، فهو “منطقة أمنية” منذ هجوم تنظيم القاعدة السنة الماضية على الثكنة العسكرية في المنطقة العسكرية الخامسة.
ورغم أن الملعب لا يتوفر على مدرجات لتقفز عليها الجماهير في لحظة الفرح أو الغضب، بل حتى بدون جدران، إلا أنه لن يكون مساعدا على سلوك عدد من المشجعين والمشاغبين، خاصة من مثيري الصخب والفوضى، وكذا الراكضين في اتجاهات عدة، لان جانبه الشمالي هو “منطقة أمنية تدار بأوامر عسكرية صارمة، تحتم على المشجعين الالتزام بحدود المنطقة الخضراء”؛ كما يقول أحد منظمي التصفيات بامتعاض.
في التصفيات الأولية التي تتبارى فيها ست فرق تتنافس على لقب المباريات النصفية، حيث سيتم إبعاد فريقين مقابل صعود أربعة فرق ستشارك في التصفيات النصفية ثم النهائية، يبدو شكل الملعب واضحا، جانب يموج بالصخب والديناميكية، التي مصدرها الجماهير المؤيدة لهذا الفريق أو ذلك.
وفي الجانب الآخر يسود الهدوء والانضباط والصرامة، حيث الجنود يطلون بفوهات مدافعهم من جدار إسمنتي أخرص، كما لو أنه تدرب بحكم ملازمتهم، لا تصفيق ولا انفعال.. فالمباريات لا تعني لهم الشيء الكثير، لأنها عبء أمني حرج وضع على عواتقهم مهمة أمنية، منذ اللحظة الأولى لانطلاقة التظاهرة المدنية، لذا على كل الوافدين إتباع تعليمات حراس المداخل وتوخي الحذر حيال الاقتراب من الأماكن الحساسة؛ وفق ما تفيد به تلك التعليمات.
ما تقوم به المنتخبات من تنافس على الصدارة وما يبذله المشجعون من جهود في إنعاش الأيام الأولى للتظاهرة لا يبدو أكثر من عمليات إحماء يقوم بها الطرفان كل من جهته، وتحت مظلة العسكر، سبيلا إلى تهيئة الأجواء للمباريات الأكثر أهمية، حيث اللقب الذي ستسلمه وزيرة الثقافة، وبإشراف الوالي.
في وقت يستعد فيها الجميع ليعيشوا مراسيم تتويج واحد من خيرة فرقهم لكرة القدم، سيكتب لوزيرة الثقافة وعن قرب أن تتذكر لحظات عصيبة من تاريخ مدينة النعمة، حين شهدت عملية انتحارية نفذها شاب موريتاني في رمضان قبل الماضي، بأمر في زعمائه في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. نفذت العملية على مرمى حجر من المكان الذي ستضرب فيه خيام معالي وزيرة الثقافة ووفدها المرافق؛ بحسب منظمين، وذلك على مقربة من مركز اللعب، حيث استقرت قطع وأشلاء من محتويات الانفجار الذي هز الثكنة.
وبحسب قطاع كبير من المتفرجين، يبقى المكان هو نفسه الذي ينشده ساكنة النعمة، ومختلف مقاطعات الولاية، ليتفرجوا على حدث رياضي من المنتظر أن يدخل السرور إلى نفوسهم، وكثيرا ما شغل المكان حيزا معتبرا من ذاكرة أولئك الذين كان شهودا على العملية الانتحارية، الساعة الواحد بعد منتصف الليل في الرابع عشر رمضان، وبما حملته من آثار نفسية وضغوط عصبية وما جلبته من أتراح. “لكن ربما يفلح المنظمون في طمس معالم ذكريات الماضي الأليم” يعلق أحد سكان النعمه.