محمد يحي ولد حرمة
النائب الأول لرئيس الاتحاد من أجل الجمهورية
بمناسبة حلول عام 2011،من المناسب أن يعد إئتلاف أحزاب الأغلبية لقاء سياسيا، عالي المستوى، لتقييم الحصيلة السياسية دون غيرها خلال سنة ما بعد الانتخابات الرئاسية 2010 و استشراف الآفاق -ثمانية أشهر- قبل الانتخابات التشريعية و المحلية التي ستنظم بحول الله أواخر 2011
و قد عهد إلي في إطار هذه الندوة التي ينظمها إئتلاف الأغلبية بإعداد الحصيلة و استعراض المحطات السياسية الكبري لعام 2010 . و إعداد الحصيلة يهدف إلي قراءة متأنية ، بعدية، للمشهد السياسي الوطني وقوفا عند نقاط القوة وتبيانا لمواطن التعثر مع تقديم المقترحات المناسبة لتثبيت و تعزيز المكاسب و تصحيح الاختلالات سبيلا إلي ترسيخ الممارسة الديمقراطية الموريتانية قناعة بأن الديمقراطية هي شرط التنمية التي نسعى جميعا لتحقيقها.
و يمكن إجمال الحصيلة في المحطات السياسية الكبرى التالية:
1. مواصلة عدم اعتراف أكثر قوي المعارضة بنتائج الانتخابات الرئاسية إلي غاية الربع الأخير من السنة: فبعد الانتخابات الرئاسية التي نظمت بشكل توافقي و إشراف دولي في 18 يوليو 2009و التي شهدت بنزاهتها جهات الإشراف الوطنية المنتسبة لقطبي ما كان يعرف بالجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية و تكتل القوي الديمقراطية ( وزارة الداخلية و اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات) بالإضافة إلي المراقبين الوطنيين والأجانب، لم يعترف المرشحون المنتمون لقوي المعارضة بنتائج الانتخابات باستثناء التجمع الوطني للإصلاح و التنمية الذي ينتمي للجبهة و إن كان تقدم بمرشح منفصل حصل علي المرتبة الرابعة و اعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية .
ويعتبر عدم الاعتراف بهذه النتائج من طرف بعض الأحزاب المنتمية للقطبين الموقعين علي الاتفاق اللذين خسرا الانتخابات الرئاسية خرقا صريحا لروحه و نصه حيث من المعلوم بداهة أن روح اتفاق دكار أنه اتفاق إجرائي ينظم فترة انتقالية قصيرة يعهد إليها بتنظيم انتخابات رئاسية لاستكمال المؤسسات الدستورية كما أن البند السابع من الفقرة الرابعة يبرز “…أنه في ما بعد الانتخابات الرئاسية ، يتواصل الحوار الوطني الجامع بين القوي السياسية( و لم تعد الأقطاب السياسية) حول…” .
وهو ما يعني علاقة سببية بين استكمال المؤسسات الدستورية من خلال الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية و مواصلة الحوار السياسي فلا حق إذن للمطالبة بالحوار لمن لم يعترف بنتائج انتخابات قبل بشروطها وأشرف على إجرائها.
ذلك أن توافق الأقطاب السياسية برعاية دولية تعمد ترتيب وتدرج الأولويات من خلال استكمال المؤسسات الدستورية أولا و مواصلة الحوار حول باقي القضايا الوطنية ثانيا و استكمال تحقق الأولي – تنظيما و إقرارا بنتائجها- شرط البدء في الثانية.
2.إعادة تنظيم المشهد الحزبي: في ظل التجاذب السياسي المتشنج بين الأغلبية و المعارضة علي خلفية عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية، ظهرت محاولات لتنظيم المشهد الحزبي بدأت بتأسيس منسقية لأحزاب المعارضة ضمت اثني عشر حزبا تلاها تأسيس إئتلاف أحزاب الأغلبية الذي يضم 33 حزبا سياسيا مع التنويه إلي وجود أحزاب معارضة غير منتمية للمنسقية و أحزاب أغلبية غير منتسبة للإئتلاف.
ومع الإشادة بالدور الأساسي للأحزاب السياسية الموريتانية جميعها – ممثلة في البرلمان و غير ممثلة فيه- في تعميم الثقافة الديمقراطية و ترسيخ العمل الحزبي كتعبير أمثل عن الإرادة السياسية و للتضحيات الجسام التي يبذلها بعض القادة السياسيين من الشباب و النساء – في ظروف غير مواتية أحيانا- سبيلا إلي تنشيط أحزابهم تنويرا و تثقيفا و تأطيرا للمواطنين فإن تأسيس هذه التكتلات الحزبية يوضح الحاجة إلي التفكير في التضخم العددي للأحزاب سبيلا إلي تنظيمها بطريقة توافقية و إجماعية دون إقصاء لأية تشكلة مهما كان حجمها مستحضرين أن بلادنا تحوز أكبر نسبة تشرذم سياسي بمنطقتي غرب و شمال إفريقيا بمعدل حزب سياسي لكل 14000ناخب!!!
وقد ساهمت التكتلات الحزبية المذكورة في إنعاش المشهد السياسي الوطني وفق إيقاع متذبذب: مدا و جزرا ، هادئ أحيانا و ساخن أحيانا أخري، بحسب الموقف من مستجدات الوضعين الداخلي و الدولي.
و في هذا الإطار نظم إئتلاف أحزاب الأغلبية العديد من الندوات الفكرية والمهرجانات الشعبية والمؤتمرات الصحفية لتعميق بعض المواضيع الهامة كالحكامة و محاربة الفساد و الحوار السياسي ضف إلي ذلك تعبئة المناضلين والمناصرين حول الموقف من العديد من القضايا كالحوار السياسي و محاربة التطرف و الإرهاب وتخليد اليوم العالمي لمحاربة الرشوة و مجابهة الغلاء ونصرة قوافل فك الحصار عن غزة ….
كل ذلك حرصا من الائتلاف علي أن يكون قريبا من هموم و اهتمامات المواطنين نصيرا و مدافعا عن الحكومة التي تتولي تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية الذي يمثل العقد الناظم للإتلاف و ناصحا ومنبها و ناقدا للحكومة أيضا عند الاقتضاء.
3. حدة الاستقطاب السياسي: تميز النصف الأول من العام 2010 باستقطاب سياسي بين إئتلاف الأغلبية ومنسقية المعارضة وصل إلي حد إعلان المنسقية تخليها عن منهجها المطالب بالحوار و دعوتها إلي الإطاحة بالرئيس بشكل غير دستوري وهو ما شكل صدمة لكثير من المراقبين حين تدعو معارضة ديمقراطية إلى الإطاحة بأسلوب غير دستوري بنظام دستوري منتخب .
4.محاولات لتأسيس الحوار : الحوار السياسي بين الأغلبية والمعارضة صنفان: أحدهما ثابت ديمقراطي يأخذ أشكالا مؤسسية كمناقشة الشأن العام: تشريعا ومساءلة ورقابة على العمل الحكومي تحت قبة البرلمان، واللقاءات الاستشارية الدورية بين رئيس الجمهورية وزعيم المعارضة الديمقراطية..
وثانيهما وسيلة لتوحيد وتقريب وجهات النظر حول قضايا وطنية جوهرية إن أمكن ذلك أو الاتفاق على قواعد تسيير الاختلاف بشأنها كحد أدني.
والحوار السياسي المنشود بين الأغلبية والمعارضة ينتمي إلى الصنف الأخير، ذلك أنه بعد الخروج من الأزمة الدستورية الأخيرة بالتوقيع علي اتفاق يحيل إلي اختيار تنظيم فترة انتقالية قصيرة بغية استكمال المؤسسات الدستورية بما يعني حسب الفقرة 3 من الاتفاق المذكور ” …ترحيل المشكلة إلي تنظيم انتخابات شفافة من بداية تنظيمها إلي انتهاء إعلان نتائجها….” ؛
علي أنه من المناسب لاستكمال تطبيع الحياة السياسية وتنظيف رواسب الأزمة السياسية تنظيمُ حوار سياسي جامع بين جميع الأقطاب السياسية بعد هذه الانتخابات .
و سعيا إلي انطلاق هذا الحوار تم القيام بمبادرات عديدة منها:
4.1..مبادرة مجموعة الاتصال الدولية: التي أشرفت و راقبت علي الانتخابات الرئاسية، فبادرت بالمطالبة بحوار سياسي بين الأغلبية و المعارضة اصطدم -للأسف- بجدار رفض منسقية المعارضة الديمقراطية الاعتراف بأول تطبيقات اتفاق دكار : البند الثاني من الفقرة الرابعة متمثلا في نتائج الانتخابات مع مفارقة المطالبة بتطبيق البند السابع من نفس الفقرة -كما ذكرت سابقا – في حال شبيه بمن يؤمن ببعض بنود اتفاق الخروج من الأزمة و يجحد بعضها الآخر.
4.2.محاولات إئتلاف أحزاب الأغلبية لتهيئة مناخ ملائم للحوار السياسي من خلال توجيه دعوات متكررة لمنسقية أحزاب المعارضة الديمقراطية جماعيا و فرديا بغية المشاركة في ندوات بمناسبة الأيام التفكيرية حول الحكامة بموريتانيا و تخليد خمسينية التعددية السياسية كان مصيرها الرفض القاطع و الجاف وقد استجابت لها مشكورة أحزاب معارضة غير منتمية لمنسقية أحزاب المعارضة.
4.3.مبادرات الإعلام الرسمي ( الإذاعة و التلفزيون) لجمع الأقطاب السياسية حول طاولة حوار إعلامي و التي قاطعتها لأسباب أشبه بتعمد العراقيل أحزاب المنسقية في كل مرة .
5.انفتاح وسائل الإعلام العمومية علي جميع القوي السياسية: تمت ملاحظة انفتاح وسائل الإعلام العمومية باتجاه تغطية الأنشطة السياسية لجميع الأحزاب: موالاة و معارضة من المهرجانات و المؤتمرات الصحفية و البيانات… من دون مقص و لا رقيب كما تتم تغطية مداولات البرلمان بنقاشاتها و مساءلاتها الساخنة غالبا بمهنية إعلامية مذكورة.
وينبغي التنويه هنا إلي ضرورة المزيد من الانفتاح بما يستدعيه ذلك من تأكيد الإرادة السياسية لدى الحكومة وتعزيز الإعداد و الاستعداد المهني لقطاعات الإعلام العمومي و إقلاع القوي المعارضة عن عادة التوجس من الإعلام العمومي و محاكمة النوايا قبل الأفعال.
6.استكمال النصوص المنظمة لتحرير المجال السمعي البصري: في عام 2010 استكملت النصوص المتعلقة بتحرير المجال السمعي البصري و هو ما يوطد حرية التعبير التي هي إحدى أركان الديمقراطية ذلك أن حرية الولوج إلي المعلومات هي أوكسجين الديمقراطية.
و يأتي استكمال هذه النصوص تنفيذا لتعهدات من رئيس الجمهورية و تتويجا لنضالات نقابية و سياسية مذكورة وهي تفرض تحديات مهنية و سياسية و أخلاقية و ” مواطنية” كبيرة يجب علينا كقادة سياسيين أن نعمل علي مواجهتها حتى تكون حرية الإعلام في خدمة الوحدة الوطنية و ترسيخ قيم المواطنة و تسريع وتيرة التنمية .
7. حوار ثنائي بين الإئتلاف و أحزاب معارضة: أمام فشل كل محاولات تأسيس الحوار بين الإئتلاف والمنسقية دخل الإئتلاف في حوار ثنائي مع حزبين معارضين : العهد الوطني للتنمية و الديمقراطية “عادل” والتحالف من أجل العدالة و الديمقراطية –حركة التجديد.
و سعي الحوار إلي استكشاف إمكانيات التفاهم السياسي بما في ذلك إمكانية العمل المشترك داخل عائلة الأغلبية الرئاسية و هو ما تم تتويجه بعد مفاوضات دامت أشهرا بتوقيع مذكرتي تفاهم أذنتا بانضمام كل من عادل و التحالف من أجل العدالة و الديمقراطية إلي إئتلاف الأغلبية.
8. استكمال الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية و بوادر تطبيع المشهد السياسي:
في الثلث الأخير من 2010 طرأ تحول إيجابي جذري علي موقف المنسقية من الاعتراف بشرعية مؤسسة الرئاسة بما يزيل إحدى العقبات الكبرى أمام انطلاق الحوار السياسي المنشود بين الأغلبية و المعارضة.
وقد جاء ذلك الاعتراف كرونولجيا بعد مواجهات بين الأجهزة العسكرية و الأمنية مع تنظيم إرهابي يتحالف مع عصابات تجارة المخدرات و الأسلحة و نخاسة الهجرة السرية و لا قي استحسانا من الرأي العام الوطني و تشجيعا من المجتمع الدولي.
9. الأمل في انطلاق الحوار السياسي المنشود :بعد اعتراف أحزاب منسقية المعارضة بنتائج الانتخابات الرئاسية و استئناف اللقاءات المؤسسية التشاورية الدورية بين رئيس الجمهورية و زعيم المعارضة الديمقراطية ،إضافة إلي لقاءات رئيس الجمهورية مع رئيس الجمعية الوطنية و العديد من رؤساء أحزاب المعارضة، حسبنا أن الظروف تهيأت لانطلاق الحوار السياسي المنشود.
و مع مطالبة الأغلبية بحوار جامع من غير سقف و لا شروط مسبقة و لا محاذير و لا محارم لسان في عرض للحوار بين الأغلبية و المعارضة أوسع و أشمل من عرض الحوار المنصوص عليه في اتفاق دكار ، عادت منسقية المعارضة إلي عدم قبولها بحوار خارج عرض اتفاق دكار و لو كان منه أوسع و أشمل ناسين أو متناسين أنهم هم من وأد اتفاق دكار بامتناعهم سنة كاملة وتزيد عن الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية و أنه بطل بالتقادم.
ثم إن مستجدات المشهد السياسي الدولي و الإقليمي و الوطني و انعكاسات أزمة الغلاء العالمية اقتضت إطارا للحوار أوسع و أشمل من اتفاق دكار حتى يتم استشراف طموحات جميع فئات و مكونات الشعب الموريتاني في ترسيخ المكتسبات في ميادين الحكامة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية الراشدة بما في الكلمة من معني.
10 .أوبة الخطاب السياسي المتشنج لمنسقية المعارضة: في خضم الأمل بتطبيع المشهد السياسي و انطلاق الحوار بين القوي السياسية ، فوجئ الرأي العام الوطني و الإقليمي و الدولي بأوبة الخطاب السياسي المتشنج لمنسقية المعارضة راسما صورة قاتمة للحالة العامة للبلد واصلا علي لسان بعض قادة المعارضة المطالبة بالإطاحة بالنظام الدستوري.
وذلك في محاولة مكشوفة لاستغلال انعكاسات أزمة الغلاء العالمية و انتصار ثورتين مجيدتين بجمهوريتي تونس و مصر الشقيقتين ، غافلة أو متغافلة أن مشروع التغيير البناء الذي زكاه غالبية الشعب الموريتاني كان بمثابة “ثورة عبر صناديق الاقتراع” وأجاب استباقيا على قدر كبير من مسببات الثورتين المذكورتين.
فصَدَعَ من أول يوم نصيرا ومنحازا للفئات الضعيفة و المهمشة ومطالبا بإعطاء فرصة أمثل للشباب في التشغيل والتكوين المهني وفي سياسة الشأن العام و في تجديد الطبقة السياسية وأن بلادنا من أحسن دول المنطقة في مجال صيانة الحريات الفردية و الجماعية وتعزيز الثقافة الديمقراطية من خلال العديد من الإجراءات منها مأسسة مؤسسة المعارضة الديمقراطية بإعطائها المكانة الرمزية و المعنوية و التمويلات المالية المدرجة في الميزانية العامة كما أن الفساد الإداري و المالي اندحر و انحسر إلي حد كبير.
هذا مع التنويه أن كل هذه التقاطعات الموفقة والسعيدة بين ثورتي الشباب و الشعب بمصر وتونس مع ثورة صناديق الاقتراع ببلادنا لن تغفلنا عن قراءة متأنية لأحداث الشمال الإفريقي واستخلاص دروسه الصحيحة بعيدا عن المزايدات.. والانفعالات.
وفي ختام استعراض المحطات السياسية الكبرى لعام 2010 وفي أفق انتخابات تشريعية و محلية ستنظم هذا العام 2011 لعل من المناسب توجيه دعوة تغلف نصيحة إلي شركائنا الهم السياسي بضرورة تفادي الغلو في الآراء والأحكام و التقييمات .
و ذلك لأن شيوع تقنيات الإعلام الجديدة رفع بشكل كبير و عريض من مستوي التثقيف السياسي عموديا و أفقيا للرأي العام الموريتاني فلم يعد سهلا تدجينه ولا تضليله فقليل ما هم الموريتانيون الذين لا يملكون مذياعا و يميزون الحق من الكذب و الإفراط من الوسطية .
كما يعرفون-حق المعرفة- أن أقل ما يمكن أن يقال هو أن البلد تبين المسار الصحيح سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و قطع منه شوطا طويلا و أن أشواطا أخري باقية تتطلب مشاركة الجميع موالاة و معارضة -كل من موقعه- بعيدا عن المضاربات السياسوية و أن المعارضة تعني اقتراح البدائل السياسية و المجتمعية و تسويقها – و هو ما لا يحدث غالبا- و لا تعني التعطيل و التأزيم المفتوح دائما و أبدا و لو كانت تعرف أن الأغلبية تبذل جهدا كبيرا في أن تحسن صنعا.
وتأسيسا علي ذلك أقول إن الغلو في الآراء والأحكام و التقييمات يسجل استقبالا سلبيا وعكسيا فيعتبر استهتارا و استهزاء بالعقول و ينتهي غالبا بأن ينقلب علي صاحبه فيتفرق مناصروه من حوله .
أشكركم و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته