روصو – محمد ولد زين
عندما قررت شركات النقل البري ذات يوم أن تمتد خطوطها لتشمل النقل بين نواكشوط وداكار، بواسطة باصات حديثة تؤمن قدرا كبيرا من الرفاهية، لم تكن تدرك حينها أن حافلات “السلام.. والبراق” ستحدث أزمة بين ضفتين تقاسمتا لسنوات حالة صحية من فوضى النقل “العابرة للحدود”.
رأت شركات النقل الموريتانية في الخطوة مدعاة لتوسيع خارطة نشاطها وتحقيق أرباح بدت في الوهلة الأولى وكأنها سهلة المنال، غير أن اتحاديات النقل السنغالية رأت في الوافد الجديد سحبا للبساط منها، معللة ذلك بأن الأسطول الموريتاني الجديد منافس قوي، خاصة في ظل الاقبال الكبير على ركوب الحافلات الموريتانية، وعزوف السنغاليين قبل غيرهم، عن استغلال سيارات “البيجو” التي توفر النقل بين “روصو سنغال” وداكار.
تحرك الناقلون السنغاليون المتحدون، وفرضوا سياسة الأمر الواقع، فكانت المضايقة، وتفريغ حمولة الشاحنات الموريتانية الرد المناسب لإيقاف جحافل الزحف القادمة من الشمال.
أزمة النقل البري بين الجارتين، حكاية من فصول، يلفها غموض خلفته سنوات من سيادة المنطق العرفي، ومبدإ المعاملة بالمثل وهي طريقة بدت مجدية، حتى بعد وجود اتفاقية النقل الموقعة بين البلدين في العام 2005 ، والتي بدأ السنغاليون تطبيقها منذ اليوم الأول، وهو ما لم يتم في موريتانيا، لأسباب يرجعها البعض إلى حل السلطات الانتقالية حينها للاتحادية الوطنية للنقل، وهو القرار الذي بدد جهود الناقلين، وأفرغ الاتفاق المذكور من محتواه في غياب ممثل شرعي يأتمر بأمره الناقلون الموريتانيون.
ممارسو النقل في روصو، يعتبرون أزمة النقل الحالية مفتعلة من الطرف الآخر، المستفيد الأول من تعطيل الاتفاقية هنا، والذي يدرك أن بوصلة الاستفادة استدارت في الاتجاه الآخر.
وضع عجل بوصول وزيرة النقل السنغالية، التي اختارت أن تسلك الطريق البرية للقاء نظيرها الموريتاني يحي ولد حدمين، يومها “تفاهم” الجانبان على أن تسمح السلطات الموريتانية لعدة شاحنات سنغالية بتفريغ حمولتها في نواكشوط، بعد توقف دام 25 يوما عند الكيلومتر 10 من روصو، وان تعود الأمور لما كانت عليه، خاصة حركة الشاحنات والبضائع حتى 16 ابريل الجاري، على أن تدخل اتفاقية 2005 حيز التطبيق في 17 ابريل 2011 .
الاتفاقية المذكورة تتضمن من بين أمور أخرى، تفريغ حمولة الشاحنات عند حدود البلدين، دون التطرق إلى الاستثناءات الواردة في الاتفاق، والتي تسمح للشاحنات السنغالية بالوصول إلى العاصمة نواكشوط في حال نقل بضائع سريعة التلف، أو نقل حمولات يتطلب تفريغها استخدام الرافعات.
قرار أغضب الناقلين السنغاليين كثيرا، في حين بدت البسمة على محيا الناقلين الموريتانيين الذين رأوا في الخطوة انتصارا لهم وتقديرا لدورهم من خلال استخدام الشاحنات الموريتانية لنقل البضائع التي كانت الشاحنات السنغالية تؤمن نقلها من داكار باتجاه نواكشوط، يقول إبراهيم ولد السالك سائق شاحنة.
مصائب قوم…
غير أن تداعيات الأزمة الحالية أصابت الجميع في محيط العبارة، يشكو أصحاب الصرافات ومكاتب التامين و السماسرة، وحتى إدارة العبارة، التي ترى في القرار انعكاسات سلبية،أبرزها تراجع مداخيلها، وهي التي تعتمد كمصدر أول لدخلها اليومي، على نقل الشاحنات، حسب تعبير عبد الله ولد محمد خدي؛م المدير المساعد للعبارة، والذي لا يقر أن للقرار فوائد جمة تعود على الناقلين و الحمالة بأرباح مضاعفة.
في محيط العبارة لا تخطئ العين بوادر الأزمة، التي تستشف من العبارة نفسها، التي كانت تنقل 18 شاحنة في اليوم، من خلال 4 رحلات ذهابا وجيئة، أما اليوم وفي ظل الأزمة فبالكاد تؤمن نقل شاحنة واحدة، وبعض السيارات الخصوصية التي تقل بعض المرضى والزائرين.
وضع يرى إبراهيم ولد السالك؛ صاحب صرافة، أنه ينذر بالأسوأ وان السلطات بدأت التمرينات له منذ بعض الوقت، قائلا “إن القرار الحالي قد يشل الحركة الاقتصادية عند هذه البوابة الحدودية المهمة”، فيما يرى “الحسن” العامل في أحد مكاتب التأمين، أنالأزمة الحالية تنعكس سلبا على شركات التامين التي كانت تتلقى مبالغ مالية معتبرة من طرف الناقلين السنغاليين والذين ما عادوا اليوم مطالبين بأبسط الخدمات التي تقدمها مكاتب شركات التامين، “لأن الشاحنات السنغالية لا تتجاوز مركز الجمارك بالمدينة”.
المستفيد الأول بعد الناقلين من تطبيق هذا الاتفاق، هو اليد العاملة الموريتانية خاصة شريحة “الحمالين” الذين انتعش نشاطهم بفعل عمليات التفريغ هذه، و بدأت جموع منهم تيمم وجهها نحو مركز الجمارك بالمدينة، حيث يتم تفريغ عشرات الشاحنات، غير أن نشاط هؤلاء يقتصر على تفريغ الشاحنات التي تنقل البضائع الخفيفة كالخضروات و الأمتعة.. فيما تبقى الشاحنات المحملة بالحديد والمواد الثقيلة تنتظر رافعة، ليست موجودة أصلا في المدينة الحدودية.
“لقد تحسن دخلنا خلال اليومين الماضيين و اليوم يحصل الواحد منا على مبلغ 7000 عن تفريغ كل شاحنة”؛ يقول محمود، وقد تصبب عرقا، يقاطعه عثمان، “نشكر الدولة لأن هذا القرار مهم للحمالين لأن مهنتهم شهدت انتعاشا افتقدته منذ بعض الوقت”.
عثرات في الطريق
بين مستفيد يتباهى و يستبشر بهذا القرار، و ساخط يقرأ بين ثناياه نهاية مؤلمة أو تقاعدا سابقا لأوانه، بفعل قرار ألغى أو قلل من قيمة مهنته، و ناقلون يثمنون ما أسموه انتصار الدولة أخيرا لمواطنيها، يطرح تطبيق الاتفاق إشكالات تتجاوز المستفيد والمتضرر.. ففي مركز الجمارك بمدينة روصو تم توزيع الشاحنات إلى ثلاث فئات: شاحنات بحمولة لا تقبل التأجيل نظر لاحتوائها على مواد سريعة التلف، و هذه يتم تفريغها بسرعة فائقة من قبل الحمالة، و شاحنات تحمل مواد لا يرتبط تفريغها بأية آجال، و شاحنات لا قبل للحمالين بها، و هي تلك التي تتطلب عملية تفريغها رافعات الأمتعة الغير موجودة في روصو، و تكون حمولة هذه الشاحنات في العادة عبارة عن كميات من الحديد و بعض المواد المتعلقة بالصناعات الثقيلة، وهذه ينتظر أصحابها وقتا لا يستطيعون تخمينه، لأنه لا يوجد أمامهم سوى حل وحيد يتمثل في وصول هذه الشاحنات إلى نواكشوط، وهو أمر مستبعد هذه الأيام حتى إشعار جديد.
و لا يخفي المهتمون بالملف انه رغم ايجابياته الكبيرة، فان سلبيات و عوائق عديدة قد تعوق تطبيقه، منها أن أسطول الشاحنات الموريتانية غير مؤهل لسد الفراغ الذي خلفه إخضاع الشاحنات السنغالية للاتفاقية الموقعة بين البلدين.