تعتبر جرائم اغتصاب الأطفال واختطافهم أو قتلهم الجرائم الوحشية التي تهز الرأي العام، وتثير في هذا الرأي العام الاشمئزاز والحنق ضد هذه الأعمال الوحشية واللاإنسانية، خاصة عندما يكون المعتدي إنسانا بالغا، والمعتدي عليه إنسانا قاصرا، وعندما تكون الجريمة قد ارتكبت بتعمد الاغتصاب الجنسي المصحوب بالخطف والتهديد والقتل في بعض الأحيان.
إن مثل هذه الجرائم ودوافعها المشينة، وما يصاحبها من نزوة جنسية شاذة، ينفرد بارتكابها الإنسان فقط، دون سائر أنواع الحيوانات الكواسر الأخرى، فيا أسفا للإنسان على هذا السلوك الإجرامي الخطير، عندما تتغلب في أعماقه روح الشذوذ والانحراف غير الطبيعي.
إن اغتصاب الأطفال جنسيا وهم في مختلف أدوار أعمارهم، نتيجة شهوة جنسية عارمة، هي ليست شهوة جنسية حيوانية، ولا ترتكبها الحيوانات الكاسرة سواء في حداثة عمرها أو في مراحل نموها المختلفة، ولا حتى في فترات جنوحها، هل سمعتم يوما حيوانا ذكرا متوحشا كان، أو أليفا اغتصاب أو قتل حيوانا صغيرا ذكرا أو أنثى بسبب دوافع شهوة جنسية؟!!
وعلى ذلك فلا يمكن القول أن هذه الشهوة المؤدية إلى الاغتصاب والاختطاف والقتل هي شهوة جنونية لكي لا يستغلها الطيبون البسطاء من الناس، ويصنفونها ضمن أعمال الإنسان اللاإرادية، وطمس الأعمال الإجرامية من خلال هذا التصنيف، وضم هذه الأعمال في إطار الإخلال في الطبيعة للعقل أو النفس البشرية بقصد رفع حصار العقوبة على مرتكبيها.
ذلك أن الشهوة الجنسية في الاغتصاب والقتل سواء كان مرتكبها في أعلى مستوى من الرجحان العقلي أو النفسي، أو في أدنى مرتبة لمثل هذا المستوى، يبقى العمل عملا إجراميا محض سواء بسواء، فجريمة الاغتصاب مصحوبة بالاختطاف بسبب الدوافع الجنسية، ما هي إلا دوافع جرمية كامنة في الإنسان المجرم نفسه القاتل حبا بالقتل أو السارق حبا بالسرقة أ والمدمر والمخرب حبا في التدمير والتخريب.
إن أغلب التشريعات الحديثة السماوية والأرضية تعتبر الاغتصاب الجنسي للأطفال وحده أو مصحوبا بالاختطاف جريمة من أبشع الجرائم، كرها وبغضا في المجتمع، تضع لها أقصى العقوبات التي قد تصل إلى عقوبة الإعدام في بعض البلدان.
هذا وللأسف الشديد تشهد جرائم الاغتصاب بمختلف أنواعها وأشكالها ارتفاعا مذهلا في واقعنا الموريتاني الذي يسجل تغيرا جذريا في جميع منظوماته الفكرية والأخلاقية والاجتماعية، بفعل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي يتخبط فيها المجتمع الموريتاني.
وقد نص الأمر القانوني الموريتاني رقم 2005/015 المتضمن الحماية الجنائية للطفل في الفرع الثالث تحت عنوان الاعتداءات الجنسية الفقرة الأولى الاغتصاب في المادة 24 على أنه “يعاقب على الاغتصاب الممارس على الأطفال بالحد المنصوص عليه في المادتين 309 و310 من القانون الجنائي، وفي حالة عدم توفر الشروط المقررة للحد فإنه يعاقب عليه بالسجن من خمس إلى عشر سنوات“.
ونصت أيضا المادة 309 من القانون الجنائي الموريتاني على أنه: “يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من يحاول ارتكاب جريمة الاغتصاب، وإذا تمت الجناية، فإن الجاني يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة زيادة على الجلد إذا كان بكرا، كما يعاقب بالرجم وحده إذا كان محصنا“.
هذا ولم يوفق المشرع الموريتاني في إحالته إلى المادة 309 التي لا طائل من ورائها، وبخاصة إذا علمنا أن هناك ضبابية كبيرة وإرباكا يكتنف مقتضات المادة 309 والكثير من مواد القانون الجنائي التي استطال عليها الزمن.
وعلى ذلك كان لزاما على مشرعنا الموريتاني وهو يسن الأمر القانوني رقم 2005/015 المتضمن الحماية الجنائية للطفل، بدلا من الإحالة أن يضع عقوبة صارمة واضحة لجريمة الاغتصاب وبخاصة الاغتصاب الممارس على الأطفال، لأنهم الشريحة الضعيفة وتحتاج الحماية القصوى، ولأنه قانون متخصص ومتضمن للحماية الجنائية للأطفال.
هذا من حيث القانون، أما من حيث الواقع فيحتم تفشي وخطورة الاغتصاب اتخاذ الإجراءات التالية:
– القيام بحملات تحسيسية على خطورة جرائم الاغتصاب في المدارس والثانويات وجميع وسائل الإعلام.
– تحسيس الجميع على مخاطر التفكك الأسري المؤدي إلى فقدان العناية والمراقبة الصارمة للأطفال.
– القيام بإجراءات صارمة ضد محلات الفيديو وابلايات ومزودي الهواتف النقالة بأفلام الخلاعة والرذيلة.
– مكافحة الانتشار الكارثي لكل أنواع المخدرات والمسكرات والخمور في مجتمعنا والتي صارت تعج بها جيوب الأطفال.
– تسريع الإجراءات القضائية لجرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي لما للتسويف فيها من خطورة على الضحايا وعلى سمعة وشرف ذويهم وهو ما يدفع الكثير من الناس إلى التكتم وعدم اللجوء إلى القضاء.
– ملاحقة الشركاء والوسطاء في جرائم الاغتصاب، لأن الكثير من الضحايا يقعون في الفخ جراء استدراجهم من طرف صديقات لهن يجندون مسبقا لهذه الغايات الدنيئة.
– ضرورة وجود مقر متكامل لقضاء الأطفال يكفل لهم السرية المطلوبة والمنصوص عليها قانونا للابتعاد عن تواجد كثافة الجمهور، لما لذلك من آثار نفسية وأخلاقية واجتماعية تسبب الكثير من الصدمات النفسية والمعاناة والآلام لجميع الضحايا وذويهم.
وبهذا نكون قد أزحنا ستارا من الضبابية كان يعرقل مجرى تطبيق العدالة عندنا، وساهمنا ما أمكن في مكافحة الخطر الرهيب لجرائم الاغتصاب المتفشية في واقعنا الموريتاني.