بقلم: زياد ولد محمد يحيى
بما أنني أتشرف بانتمائي إلى القطر الشنقيطي فقد أصابني حجر في صدري من أحجار الداعية الشهير الشيخ عائض القرني ، التي رمى بها فطاحلة أعلامنا العظام أعلام القطر الشنقيطي ،.. رحم الله من قضى نحبه منهم، وحفظ من لازال ينتظر وما بدل تبديلا، وإن كنت لا أدعي أبدا أنني أتمتع بالكفاءة المعرفية الضرورية للردِّ البليغ على قامة في مثل قامة الشيخ ، تحمل درجة علمية رفيعة ، وباعا طويلا في الدعوة والإرشاد، لكن واجب أدائي لنصيبي من الذود عن حياض الآباء والأجداد ولو بصدر عار وأقدام حافية جعلني لا أبالي بافتراس الوحوش الضارية أو عض العقارب ، حيث كانت مقالة الداعية الدكتور عائض القرني ” مهزلة” حفظ المتون” المنشورة بجريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة 15/10/2010م قد أثارت زوبعة كبرى في أوساط بلاد المنارة والرباط ( شنقيط) على خلفية تشبيه في مقالته المذكورة شبه فيه السادة الشناقطة الكرام بأنهم كآلة التسجيل في الحفظ ،وعدم القدرة في نفس الوقت على الإضافة والإبداع في إنتاج النصوص والمتون التي تخدم القرآن والسنة النبوية المطهرة ، ولم يكتف بذلك فحسب ، بل تجاوزه إلى وصفهم بنحول الجسم “كالجرادة الصفراء ” على حد تعبيره ،نتيجة للجهد المضني الذي يبذلونه من أجل حفظ النصوص والمتون ، دون أن يُرى أثر ذلك على منتوجهم الفكري الإبداعي.
وفي هذا السياق أتساءل من أين استقى الشيخ الداعية الموقر معلوماته تلك عن نجومنا الأعلام الشناقطة، وكيف لشخص في منزلته العلمية ، وقامته الدعوية واطلاعه الواسع أن يسمح لنفسه بملء صفحات المواقع الألكترونية بكلام تنقصه الدقة والموضوعية وعدم توخي الأمانة العلمية فيما يقول؟، إذ يفترض في مثله من المثقفين الداعين إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وهو على بصيرة،أن تكون الكلمة الطيبة اللينة هي الأخرى صفحته التي يسطر على خطوطها المستقيمة رسالته الدعوية والتنويرية إلى المجتمع.
ثم متى كان هزال الجسم ونحوله سُبة في حق الرجال أيها الشيخ الوقور – وهم والله كذلك – خاصة طلاب العلم منهم وأساطينه الذين شعاع علمهم طارت به الركبان إلى بلدان العرب والعجم.. وكم قاسوا في سبيل ذلك من ضرب لأكباد العيس وتحمل مشاق شظف العيش ، بما في ذلك سهر الليالي الطوال في ساحات محاضرهم متحملين برد صحراء موريتانيا المغبرَّة – شنقيط سابقا- مستعينين على ذلك بدفء جمر الغضا العصي على الخمود والانطفاء، كل ذلك في سبيل التضلع من العلوم الشرعية النافعة ليستعينوا بها في الدعوة إلى الله وهم على بينة من أمرهم ،متسلحين بالكلمة الطيبة والسلوك القويم، معززين ذلك ومعضدينه بلسان عربي مبين ، قوموه، وشذبوه ، وهذبوه بمقومات ومصلحات لغة الضاد لغتهم الأم، التي لايعرف الاعواج ولا الانحناء ، أو الرطانة إليها سبيلا ، الأمر الذي جعلهم يفقهون كل شاردة وواردة عنها ، ولعمري من كانت تلك صفته ، وهامته على تلك الشاكلة من علو الهمة والطموح لا يتصور فيه عقلا أن يكون كآلة التسجيل الصماء التي لاتميز بين رائعة الإمام البصيري في مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم (البردة) وبين رطانة رعاء الشاء الأعاجم. إنها زلة لسان ومهزلة في نقد الحفاظ والنابهين، من الصعب على السادة أعلام الشناقطة النجوم في سماء العلم والمعرفة، وأحفادهم الكرام استيعابها وتمريرها عبر ممرات النقد الموضوعي السالكة.. إنها سيدي الداعية الدكتور الموقر،أجسام قد ترعرعت وأينعت خارج سياق عصر النفط التي أنعم الله بريعه الفياض على الكثير من شعوب الأرض في عصرنا الحاضر، مع تمنياتنا للجميع بدوام تلك النعم وحفظها على أصحابها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، لكن عزاء السادة الشناقطة وأحفادهم الأكارم في نحول أجسامهم ،هو، أن العبرة في نظرهم لم تكن في يوم من الأيام في شكل الجسم ولا في مدى وسامته ، ولا الاعتبار والتقدير في نظرهم يأتي على قدر ما في الجيب من مقدار يؤهل صاحبه للصرف والإنفاق على الجسم حتى يخضرًّ عوده وتظهر عليه علامات النعم الوفيرة ، بقدر ماكانت العبرة لديهم في قوة العزيمة والجلد على طلب العلم ، والجد في السعي إلى تسلق سلالم مراقي العلم النافع الغزير بقوة دفع العقل النابه الفطن، وسرعة التقاط الأذن الواعية المعزز بالذاكرة الحافظة كآلة التسجيل – على حد وصفكم أيها الشيخ الداعية الموقر .
ثم هل سمع الداعية الشيخ الموقر عائض القرني ، بالعلامة النحرير وشيخ عصره بدون منازع سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم، الذي تفرغ للعلم والبحث مدة (40) سنة ، والذي كتبه في الأصول تدرس الآن في أعرق الجامعات العربية والإسلامية بما في ذلك جامعاتكم الشهيرة، وسأكتفي فقط بذكر اثنين فقط من أسماء كتب الشيخ العلامة المذكور، التي بغلت شهرتهما عنان السماء وهما على سبيل المثال لا الحصر ( ألفيته في أصول الفقه المسماة مراقي السعود، وشرحها المسمى نشر البنود)، وقد شرح النظم المذكور كثير، منهم العلامة الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي المعروف عند كم في المملكة ومنهم العلامة محمد الأمين ولد أحمد زيدان الجكني …، أما بقية السادة علماء القطر الشنيقيطي النجوم فسأذكر نزرا قليلا منهم لأوفر على الشيخ الداعية تجشم تعب البحث عنهم حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.. ؟ وهم العلامة الشهير، الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الملقب( آب) بن اخطور ، صاحب الكتاب الشهير( نثر الورود شرح مراقي السعود) المشار إليه آنفا وكتابه الأشهر ( أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن) ، والذي وظف كثيرا في كتبه هذه المتون واستشهد بها مما يجعلنا نقطع بأنه ما كان يعتبرها مهزلة. وهل سمع الدكتور الموقر، كذلك بالعلامة الشيخ محمد محمود ولد التلاميذ الذي يعرف الأزهر الشريف وطأته ، والحل والحرم ؟، وكذلك الشيخ الجليل أحمد بن الأمين الشنقيطي صاحب كتاب الوسيط في تراجم أدباء شنقيط الذي هو الآخر قد ترك أثرا لا ينمحي في ذاكرة علماء أرض الكنانة بفضل قوة حفظه وسعة علمه في شتى ميادين حقول العلم والمعرفة ،وهل سمع صاحب كتاب ( لا تحزن) بالعلامة الشهير الشيخ محمد يحي الولاتي ؟ ،وهل سمع الدكتور القرني بعلامة عصره الشيخ محمد المامي ؟ وهل طار إلى مسامع الشيخ الفضيل أسماء فطاحلة علماء نجوم في سماء شنقيط العالمة ، قديما وحديثا أمثال العلامة الجليل والشاعر الأشهر سيدي عبد الله ولد محم الملقب ( ولد رازكه) ، والشيخ محنض بابه ابن اعبيد، والعلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو ، والعلامة الشيخ عبد الله ولد بيه، وغيرهم كثير. كل أولئك النجوم الأعلام كتبهم موجودة ومعلومة ومتاحة في المكتبات لكل من يبحث عنها، فهلا راجع الشيخ القرني نفسه وتحمل القليل من التعب يستحقه ما تحمله بطون تلك الكتب النفيسة من صنوف العلم والمعرفة؟ إذ حقيق على من كان في مثل قامته الدعوية والمعرفية أن يضطلع على ما في بطونها من نفائس جديرة بالإعجاب والتقدير، عله يستشفي بها من بعض الحول الذي أصاب ناظريه تجاه إخوانه أعلام الشناقطة النجوم في سماء العلم والمعرفة.
ولولا المعرفة بالشيخ القرني وإخلاصه وصيته الحسن في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة لقلنا هذا كاتب يريد هدم الإسلام بطريقة غير مباشرة؛ إذ لا غنى قطعا للشريعة عن العلم، ولا طريق للعلم إلا بهذه المتون الذي اعتبر الشيخ الاشتغال بها مهزلة. والتجربة شاهدة على أنه كلما ضعف حفظ المتون في بلد ضعف فيه التمسك بالدين، وضعف فيه فهم نصوص الكتاب والسنة، وأظن أن الشيخ يعرف ذلك جيدا لو فكر فيه. وما أظنه كان سيصل إلى ما وصل إليه من المنزلة العالمية لولا آثار هذه المتون. وهل يستطيع أن يكتب كتاب “لا تحزن” وغيره من كتب الشيخ النافعة من لا معرفة له بالعربية ـ لغة ونحوا وصرفا وبيانا …ـ ومعروف أن الطريق الوحيد إلى معرفة ذلك هو هذه المتون؛ إذ المعرفة السليقية لم تتجاوز عصر الاحتجاج الذي اختلف هل وصل نهاية القرن الأول الهجري أم لا ؟.