نواكشوط ـ محمد ناجي ولد أحمدو
من “اسبيخة” في نهاية مقاطعة توجنين مرورا ب”دبي”، والأحياء العشوائية في توجنين وبوحديدة و”وادي الذئاب” و”لمغيطي” وقندهار والفلوجة و”كزرة” عرفات ودار السلامة وعين الطلح في تيارت، وليس انتهاء بكبة “الغريقه” بالميناء.. ينتشر حزام العشوائيات في نواكشوط.
حزام تريد له السلطات أن يختفي، وتأبي النزاعات العقارية، وفوضوية المواطنين إلا أن تجعله حيا في قمة الصحة والعافية.
عاشت نواكشوط خلال شهر أكتوبر اكبر موسم هجرة لها من كل زوايا الوطن: الجنوب، الوسط، الشرق، الشمال.. ونتيجة لتلك الهجرة ذات الطابع “الكزراتي” فقد ارتفعت أسعار النقل إلى العاصمة، وشهدت أحياء الضواحي زحمة مرورية لم يسبق لها عهد بها.
إذا عرف السبب بطل العجب، كما يقولون، السبب هو أن “الكزرة” (تسمية تطلق على العشوائيات في موريتانيا) ستغدو جزءا من التاريخ بعد أشهر قليلة، أو هكذا يراد لها..
ليس أهل الكزرة فقط هم من استوطنوا أحياءها، بل أن بعض الموسرين، لبى نداءها، ببساطة، أتى “الكازرون” رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، هو موسم “حج” العشوائيات، ومن لم يحص فلا كزرة له.
ارتفعت أسعار الخشب المستعمل، نتيجة الإقبال عليه لترميم المساكن المنسية على حين غفلة من اللجان، وأصبح النعناع شبه منقرض لأن الأراضي المعدة لزراعته صارت مساكن لـ”كازرين”.
تتندر صالونات نواكشوط، بأن أحد المسؤولين الكبار في الدولة، يمضي نهاره فقط مع خادمه الشخصي، لأن المصونة أم العيال وأبناؤها يمضون سحابة نهارهم في “الكزرة” في انتظار الإحصاء.
“الكزرة” سلوك أصيل في الأنا الموريتاني، ابن البادية، والمتعود على الفوضى، وصديق التمرد؛ يقول أحد الباحثين الاجتماعيين، وبالتالي فلا يستغرب تهافتهم على “الكزرة”.
غير أن معايير الدولة “الصعبة”؛ حسب بعض ساكني العشوائيات، محت “كزرات” من الوجود بضغطة على محرك بلدوزر، العلاج في بعض الأحيان يكون مؤلما، حيث أرغمت أسر عديدة على الإقامة في العراء بعد هدم منازلها.
في الكزرات المنتشرة على هامش العاصمة الموريتانية ولدت مع الإحصاء الجديد موضة البحث عن زوج أو زوجة، ريثما تنتهي محنة “الكتابة”، آلاف الأسر الوهمية تقيم في مساكن رممت على عجل في مختلف أنحاء المدينة.
في بعض الأحيان يقدم الأخ نفسه على أنه زوج لأخته، وفي أحيان أخرى يكون زواج “المتعة”، طبعا ليس على الورق، وإنما أمام لجان الإحصاء، الموضة الأفضل بين غريبين.
وترى فاطمة بنت أحمد؛ المقيمة في كزرة توجنين، إن معيار الأسرة ليس معيارا جيدا في بلد ترتفع فيه نسبة الطلاق إلى معدلات فلكية.
كما يبدو أن لجان الإحصاء لم تضع في حسبانها احتمالية وجود اسر تتعايش من زمن طويل بدون إنجاب أبناء.
كما أن اشتراط عدم ترميم المسكن، ألقى بظلاله على عديد الأسر التي تعرضت مساكنها البسيطة لأضرار في موسم الخريف الماضي، خصوصا وأنه شهد تساقط كميات معتبرة من الإمطار، مصحوبة أحيانا بعواصف.
وقد وضعت السلطات مجموعة من المعايير تم اعتمادها في الإحصاء الهادف إلي القضاء علي ظاهرة الكزرة، حيث تقصي من إحصاء المساكن الحالات التالية: العائلات وحيدة العضو والمساكن الهشة والمهجورة غير المطابقة لمعايير الاستثمار، والمساكن التي تقل مساحتها عن 12 م2. والحوز الترابية (الكزرة) التي تقل مساحتها عن 40 م2، وأرباب الأسر غير الحائزين على بطاقة تعريف أو جواز سفر جاري الصلاحية، والعائلات المكونة من أب وطفل أو أكثر عدا أولئك الذين يدفعون بمبرر مقبول لغياب الأم، والحوزات المتعددة وغير المشرعة لاسم محصي واحد، وبالمقابل يقبل تسجيل حوزات ترابية متعددة صحيحة التشريع ومستثمرة وفقا للمعايير المعتمدة لاسم محصي واحد حتى ولو كان فردا.