أيها الموريتانيون،
أيتها الموريتانيات،
مواطني الأعزاء
غدا تحتفل بلادنا بالذكرى الخمسين للاستقلال الوطني.
وبهذه المناسبة السعيدة، يطيب لي أن أتقدم بأحر التهاني وأطيب التمنيات بموفور الصحة والهناء لكل فرد من أفراد شعبنا العزيز.
ولا يسعنا في هذا اليوم إلا أن نتذكر بإجلال أبطال المقاومة الذي ضحوا بأرواحهم في سبيل تحرير الوطن وكل من سقطوا في ساحة العز والشرف من ضباط وضباط صف وجنود دفاعا عن أمن البلاد واستقرارها، ضارعا إلى المولى عز وجل أن يتغمدهم جميعا بواسعة رحمته ويسكنهم فسيح جناته.
كما أعرب لجميع من أسهموا في صنع هذا الحدث التاريخي المبارك، عن خالص امتناننا، مشيدا بما بذلوه من جهود خيرة في سبيل الارتقاء بهذه الأمة المجيدة إلى ما تنعم به اليوم من حرية وكرامة.
مواطني الأعزاء،
لقد حصلت بلادنا على الاستقلال في ظروف بالغة الصعوبة بدأت فيها مسيرتها التنموية تقريبا من نقطة الصفر بالمقارنة مع نظيراتها من المستعمرات السابقة.
ومع ذلك استطاعت أن تخطو خطوات شجاعة نحو تأسيس معالم دولة عصرية تحظى باحترام وتقدير كبيرين عبر العالم. وكانت جميع المؤشرات توحي بأن موريتانيا الفتية قادرة على المضي قدما واللحاق بمصاف الأمم المتقدمة، بعون الله ثم بجهود أبنائها البررة.
لكن هذه الآمال ما لبثت أن تبددت بفعل العديد من العوامل السلبية الداخلية والخارجية وفي طليعتها انعدام رؤية سياسية واقتصادية واضحة واللامبالاة بالشأن العام وظاهرة الفساد والتبذير وسوء التسيير التي أضحت سائدة لدى بعض أفراد المجتمع. فمن غير المعقول، بعد مضي نصف قرن من الزمن، أن تكون بلادنا على هذا المستوى الضئيل من النمو وقد أنعم الله عليها بخيرات هائلة من ثروات برية وبحرية واستفادت من قروض وهبات جد معتبرة كانت تكفي لو أحسن استغلالها لتأمين ظروف أفضل لمواطنينا الذين كان عددهم أقل من ثلاثة ملايين نسمة.
مواطني الأعزاء
لقد بادرنا باتخاذ ما يلزم من تدابير صارمة لضمان تسيير موارد الدولة وممتلكاتها تسييرا محكما وشفافا وأمرنا بمحاسبة مرتكبي جرائم اختلاس الأموال العمومية والرشوة وغيرها من التصرفات الشاذة الغريبة على تقاليد مجتمعنا المسلم.
واليوم بدأ بريق أمل يلوح في الأفق بأن أخلاقيات الحياة العامة تسير في الاتجاه الصحيح، لكن الطريق إلى تغيير العقليات السائدة لا يزال طويلا وشاقا ويتطلب تحقيقه إسهام الجميع. لقد مكنت سياسة الصرامة في تسيير المال العام من إنجاز العديد من المشاريع التنموية الهامة من طرق ومدارس ومستشفيات وغيرها من البنى التحتية الحيوية في ظرف زمني وجيز.
فبخصوص تعزيز الغطاء الصحي، تم إنشاء وترميم العديد من المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة من بينها مستشفيات عرفات بنواكشوط وازويرات واكجوجت. كما تم اقتناء أعداد كبيرة من التجهيزات والمعدات الطبية المتطورة التي كانت تفتقر إليها المستشفيات في نواكشوط وفي داخل البلاد.
وفي مجال التعليم والتكوين ورعاية الشباب، تبذل الدولة قصارى جهدها من أجل الرفع من أداء هذا القطاع وتحسين المستوى المعرفي للطلاب والتلاميذ وجعلهم مؤهلين للاسهام بكامل طاقاتهم الفكرية والعملية في معركة البناء الوطني.
وفي هذا السياق، يندرج قرار استحداث ثانويات امتياز وثانويات فنية في جميع الولايات وتشجيع التوجه لدى غالبية التلاميذ إلى التخصصات العلمية والتكنلوجية. ويدخل في هذا الإطار كذلك مشروع بناء مركب جامعي جديد بنواكشوط يضم كليات للآداب والعلوم الإنسانية والعلوم القانونية والاقتصادية والطب والعلوم والتقنيات وحي جامعي بكلفة قدرها 33 مليار أوقية ممولة من طرف عدد من شركائنا في التنمية الذين أعرب لهم هنا عن خالص شكرنا وامتناننا. وبهذا الصدد أيضا تقرر تحويل المعهد العالي للدراسات والبحوث الاسلامية إلى جامعة في مطلع العام الدراسي المقبل. كما توجد قيد الدراسة مشاريع بناء قصر للثقافة وملعبين أولمبيين في نواكشوط ونواذيبو وقاعة لمختلف الرياضات.
كما يحظى التكوين المهني باهتمام بالغ تجسد في فتح المزيد من المراكز وتنويع التخصصات فيها وزيادة طاقتها الاستيعابية ومدة الدراسة فيها من ستة أشهر إلى سنتين. ويندرج في هذا الإطار أيضا إعادة هيكلة المدرسة الوطنية للإدارة لتشمل الصحافة والقضاء ودعم أنشطتها الدراسية بهدف تزويد البلاد بالأطر الأكفاء الذين نحن في أمس الحاجة إليهم لتعويض العدد المتزايد من المتقاعدين في السنوات القليلة القادمة.
إن تحسين الظروف السكنية والمعيشية للمواطنين أينما كانوا يشكل بالنسبة لنا أولوية أساسية. ففيما يخص موظفي الدولة ووكلائها والقوات المسلحة وقوات الأمن، تم تعميم علاوات النقل والسكن التي ستصل بنهاية هذه السنة إلى ما يربو على 7 مليارات أوقية. وستواصل الدولة مساعيها في هذا الاتجاه كلما أتاح ذلك نمو البلاد وتطورها بما يعود بالخير والرفاه على جميع المواطنين.
وفيما انتهت عملية الترحيل في نواذيبو، يتواصل في نواكشوط تحويل السكان من أحياء الانتظار التي قضوا فيها عشرات السنين في ظروف مزرية إلى مواقع جديدة حيث منحوا قطعا أرضية سيتم تزويدها بالماء والكهرباء ووسائل الاتصال في موعد قريب إن شاء الله. وباكتمال هذا الترحيل سنكون قد قضينا نهائيا على ظاهرة أحياء الصفيح والاحتلال العشوائي للمجال العمومي. ومن جهة أخرى تم تحديد واستصلاح منطقة ملائمة لبناء مدينة روصو الجديدة واتخذ قرار مماثل بشأن توسيع وعصرنة مدينة كيهيدي لحمايتها من الفيضانات.
لقد تبنت الدولة استراتيجية جديدة تقضي كلما أمكن ذلك بإنشاء مدن جديدة عبر تجميع القرى ووضع حد للتقري الفوضوي. وفي هذا السياق أنشئت في الأشهر الماضية مقاطعة انبيكت لحواش في الحوض الشرقي. كما تقرر مؤخرا دمج 22 قرية بالحوض الغربي في مدينة ترمسه الجديدة.
ومن جهة أخرى تتواصل عمليات فك العزلة عن جميع أنحاء الوطن عبر توسيع التغطية الإذاعية وتعزيز المواصلات. فبعد إذاعة القرآن الكريم، بدأ البث الإذاعي على مستوى محطتي النعمه وكيهيدي على أن يشمل هذا الإجراء كل عواصم الولايات.
وفي مجال الطرق التي لا غني عنها لتحقيق نمو البلاد وازدهارها، يتواصل إنجاز وترميم وتوسيع الطرق في انواكشوط وتستمر أشغال بناء طريق كيهيدى – سيلبابي وطريق بوكي – روصو وطريق كرمسين. كما انطلقت أعمال بناء طريق مونكل – لكصيبة وطريق الغايرة – باركيول، وسيشرع قريبا في بناء طريق أطار- تجكجة بكلفة تناهز40 مليار و500 مليون أوقية وطريق ازويرات – شوم – اكصير الطرشان، سعيا إلي ربط جميع مقاطعات البلاد بعضها ببعض. وفي هذا النطاق أيضا بدأت شركة النقل العمومي مزاولة أنشطتها علي مستوى نواكشوط. ومن المنتظر كذلك أن تنطلق رحلات الموريتانية للطيران الداخلية والخارجية قبل نهاية هذه السنة.
أيها المواطنون ،
أيتها المواطنات،
لقد حبى الله وطننا العزيز بثروات برية وبحرية هائلة كفيلة بأن تضمن لنا مستوى رفيعا من التقدم والنماء إذا استغلت أحسن استغلال بما يعود بالخير علي جميع المواطنين.
وفي هذا الإطار، تحظي الزراعة باهتمام متزايد، بعدما عانته طوال عشرات السنين من إهمال وسوء تسيير ونهب منظم، حيث أنشئت الشركة الوطنية لاستصلاح الأراضي لتوفير الآليات الزراعية وتم توزيع كميات كبيرة من البذور والأسمدة علي المزارعين الذين أبدوا استعدادهم للعمل ومنحوا تسهيلات خاصة عبر إعادة هيكلة الديون المستحقة عليهم، مما سيمكن إن شاء الله من رفع مستوى المحاصيل في هذه السنة.
وفي إطار تنمية الغطاء النباتي والمحافظة عليه، تم تشجير500 هكتار ضمن الحزام الأخضر بنواكشوط و1050 هكتارا في بعض الولايات الأخرى، كما تواصلت عمليات البذر الجوى لتغطي هذه السنة 50000 هكتار وإنجاز 1500 كيلومتر من الخطوط الواقية من الحرائق.
إن مشروع آفطوط الساحلي الذي اكتملت أشغاله يعتبر إنجازا عظيما وحيويا بالنسبة لنواكشوط التي عانت لسنوات طويلة من نقص حاد في الماء.
ونتطلع أيضا إلي البدء في تنفيذ مشروع آخر لا يقل أهمية هو مشروع بحيرة أظهر في ولاية الحوض الشرقي الذي سيمكن من تزويد مدن النعمة وتمبدغه وعدل بكرو والقرى المجاورة لها بكميات كبيرة من الماء. وستكون لهذا المشروع نتائج بالغة الأهمية في إطار تنمية المنطقة وإعمارها.
وفي هذا النطاق أيضا تعتزم الدولة البدء قريبا في تنفيذ مشروع آفطوط الشرقي الذي سيمكن من تزويد المنطقة بالماء انطلاقا من سد فم لكليته.
وفي مجال الصيد، ما يزال تحويل الأسماك السطحية إلي منتجات نهائية أو شبه نهائية لزيادة القيمة المضافة يحظي باهتمام خاص حيث سيتم قريبا فتح مصنع للتحويل في إطار التعاون مع جمهورية الصين الشعبية. كما يتم فرض احترام فترات الصيد المنصوص عليها ومراقبة مياهنا الإقليمية بالمزيد من الصرامة سبيلا إلي وضع حد لعمليات نهب ثرواتنا السمكية.
إن قطاع المعادن والصناعة شهد بدوره انتعاشا ملحوظا تجسد في زيادة اهتمام كبريات الشركات المعدنية العالمية وغيرها من المستثمرين الوطنيين والأجانب بما تزخر به بلادنا من موارد معدنية كما برهن علي ذلك المؤتمر والمعرض الأول حول المعادن في موريتانيا الذي عقد مؤخرا في نواكشوط .
وفي هذا النطاق ارتفعت عائدات رخص البحث المنجمي لتبلغ مليارا و500 مليون أوقية في هذه السنة بدلا من قرابة 100 مليون أوقية في سنة 2007. وبلغت مساهمات شركتي تازيازت موريتانيا المحدودة و(أم سي أم ) 40 مليون دولار بدلا من 8 ملايين دولارا في سنة 2008 .
وفي السنوات الثلاث المقبلة، ستبلغ الاستثمارات في منجم تازيازت مليارا و500 مليون دولار وسيكون بذلك أحد أكبر مناجم الذهب في العالم إذ سيبلغ إنتاجه مليون أونصة ويوفر سنويا من 3000 إلي 4000 فرصة عمل. وسيمكن مصنع الكلابة رقم 2 شركة اسنيم من زيادة حجم انتاجها ب 4 ملايين طن سنويا. وينتظر أن يبدأ استغلال منجمي الكوارتز في أم آكنين في ولاية داخلت نواذيبو والفوسفات في بوفال بولاية كوركول.
وفي إطار مرتنة الوظائف في هذا القطاع سيتم افتتاح المدرسة الموريتانية للمعادن ومركزى تكوين في أكجوجت وتازيازت .
وفي مجال الطاقة، سيتم تعزيز إنتاج وتوزيع الكهرباء لتستفيد منه جميع أحياء مدينة نواكشوط بحلول الشهر المقبل وبتشغيل محطة توليد جديدة بطاقة 36 ميغاوات في بداية السنة المقبلة، كما تجرى دراسة إنشاء محطة توليد كهربائية مزدوجة بطاقة ستصل تدريجيا إلي 700 ميغاوات علي أن يقام ربط كهربائي بين نواكشوط ونواذيبو. ومن المنتظر كذلك أن يتم تزويد مدينة كيفة بمحطة للطاقة الشمسية تبلغ طاقتها 50 ميغاوات سيبدأ قريبا تشغيل جزئها الأول بطاقة 20 ميغاوات.
ومازالت عمليات التنقيب عن البترول متواصلة بهدف زيادة الإنتاج في الحقول الحالية واكتشافات ألأخرى قابلة للاستغلال في منطقة تاودني.
مواطني الأعزاء،
إن الدولة تسعى جاهدة إلى دعم الحكامة الرشيدة بخلق المناخ الملائم لتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي عن طريق اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاح الإدارة وتفعيل القضاء وإشاعة جو من الثقة في الحياة العامة بما يخدم مصلحة المجتمع.
وفي هذا الاطار تندرج الجهود المبذولة لضبط الحالة المدنية التي ظلت عبر السنين تعاني إهمالا شديدا وفوضى عارمة، حيث أنشئت مؤخرا الوكالة الوطنية لسجل السكان والوثائق المؤمنة لتتولى إعداد ووضع برامج خاصة لعصرنة النظام الوطني للهوية عبر استخدام تقنيات متطورة وآمنة في إنتاج جميع الوثائق من عقود ازدياد وجوازات سفر وبطاقات تعريف وغيرها.
إننا نسهر أيضا على ترسيخ الديمقراطية باعتبارها أنجع وأضمن وسيلة للحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعيين وتحقيق التقدم والرفاهية لشعبنا، متشبثين بروح الانفتاح والتشاور في علاقاتنا مع جميع القوى السياسية الوطنية.
وفي هذا السياق، نعرب عن تمام استعدادنا لفتح حوار صريح مع أحزاب المعارضة وندعوها للإسهام بصورة جادة في عملية البناء الوطني بما يخدم المصالح العليا للبلاد ويحقق مستقبلا زاهرا لشعبنا.
كما نلتزم بمراعاة حقوق الإنسان واحترامها وصون الحريات الأساسية بما فيها حرية الصحافة التي يجب أن تلعب دورا طلائعيا في إنارة وتثقيف المجتمع.
كذلك نعمل جاهدين على توفير ظروف معيشية أفضل لمواطنينا العائدين من السينغال وعلى إزالة جميع الفوارق الاجتماعية للقضاء على مسبباتها من فقر وجهل ومرض وتعزيز إسهام المرأة والشباب في جميع أنشطة الحياة.
مواطني الأعزاء،
قبل أقل من سنتين كانت قواتنا المسلحة وقوات أمننا لا تمتلك إلا كميات ضئيلة من العتاد الحربي والمعدات اللوجستية والفنية.
ومن أجل معالجة هذا الوضع الخطير، بادرنا بإعادة تنظيم الوحدات ونشرها في أماكن لم يسبق أن تواجدت فيها وإقامة قواعد عسكرية جديدة، مما مكن من السيطرة على جميع الحدود.
كما قمنا بشراء كميات معتبرة من الأسلحة والسيارات والطائرات التي سمحت بتعزيز قدرتنا الميدانية كما أثبتت ذلك نتائج العمليات الأخيرة ضد العصابات الإرهابية الإجرامية.
وستظل هذه القوات على استعداد دائم للدفاع عن سيادة وحرمة أراضينا وأمن جميع من فيها من المواطنين ورعايا الدول الشقيقة والصديقة.
وسنواصل بكل حزم وصرامة مكافحة جميع أشكال التطرف والجريمة والمتاجرة بالمخدرات لتنعم بلادنا بالأمن والاستقرار اللذين لا غنى عنهما في تحقيق التقدم والنماء.
وبهذا الصدد تم اتخاذ إجراءات فاعلة تمثلت من بين أمور أخرى، في تحديد مناطق حدودية للعبور وزيادة القدرات البشرية والتقنية في مجال الرقابة مما مكن في هذه السنة وحدها من ضبط ما يزيد على 10 أطنان من مختلف أنواع المخدرات وإحالة 274 مهربا إلى العدالة.
مواطني الأعزاء،
إن معركة البناء مسلسل صعب وطويل الأمد، لكننا واثقون من أن موريتانيا الإسلامية العربية والإفريقية، الديمقراطية والمتصالحة مع نفسها، قادرة بجهود أبنائها المخلصين وما تتمتع به من ثروات متنوعة وتحظى به من تقدير وثقة عبر العالم، أن تلحق بركب الأمم المتقدمة في السنوات القليلة القادمة إن شاء الله.
)وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته