كثر الحديث مؤخرا حول نتائج الدورة الأخيرة للمجلس الأعلى للقضاء، وسيكثر لاحقا عن تلك المتوقعة قريبا، وكأن الأمر لا يتعلق بقرارات اعلي هيئة مختصة في تسيير قطاع وحدها المسؤولة عنه.
لقد نوقشت بإسهاب ما أسفرت عنه نتائج تلك الدورة وسيناقش بعمق ما قد تسفر عنه هذه الدورة القادمة من نتائج وقرارات، تلك طبيعة البشر إذا مسه الخير منوعا وإذا مسه الشر جزوعا، لكن لماذا كل هذا القيل والقال؟
شخصيا لم يكن بوسعي الخوض في هذا المقال وذلك بهدف الابتعاد عن السجال مما لا يقتضيه المجال، إلا أنني ارتأيت هذه المداخلة لا تعليقا أو نقاشا بقدر ما ذاك تبيانا وتوجيها لمن ظن غير الحقيقة.
إن جل الناس اليوم ممن ليست علي قلوبهم أكنة أن يفقهوا ما للموضوعية وهضم الذات من مميزات حضارية وقيم مدنية مجمعون علي أن البلد يعيش مرحلة إعادة تأسيس، تتطلب مراجعة هيكلة الإصلاح من خلال وضع أسس جديدة تبني عليها المناهج وترسم الخريطة.
إن المواجهة اليوم ليست مع تلك الجيوش الفتاكة والأنظمة الدكتاتورية المحتلة وإنما هي مواجهة آفات التقدم والازدهار والقيم والأخلاق، باختصار شديد يتعلق الأمر بما استقر من الفساد في أذهان العباد فانعكس علي البلاد ودحض قيم الأجداد فصرنا عبرة لأولي الألباب.
الأدهى والأمر أن هناك بالرغم من ذالك من يبررالفساد تارة وطورا يعترض منهج محاربته، لا أقول بهدف الفساد، ولكن بغية الانحياز ليلا يحارب الفساد! قضي الأمر الذي فيه تستفتيان! لابد من محاربة الفساد شاء من شاء وأبي من أبي ومواجهة الإرهاب وإعادة هيكلة الإصلاح، بمعني آخر لابد لنا من وضع النقاط علي الحروف ومعرفة الصالح من الطالح مهما كلفنا ذلك من ثمن.
فمنذ غابر الأزمان كانت هذه البلاد وستظل إسلامية اقتنت قيم الجمهورية ونهج الديمقراطية، أساس وحدتها الدين الإسلامي الحنيف ومنهجها الشريعة السمحاء وهدفها النمو ومسايرة ركب التحضر.
إن التنابز بالألقاب والوصف غير اللائق والتحاسد مفاهيم آكل عليها الدهر وشرب ولم تعد العصرنة تقتضيها ولا المدنية تتطلبها، فالمفترض في العلاقات بين الأفراد، زملاء كانوا أم لا أن تبني علي حسن النية حتى يثبت العكس.
من هذا المنطلق يتبين أن كل القرارات التي تتخذها الدولة هي من اجل الإصلاح والإصلاح فقط، فلا مجال لشخصنة الأمور ولا للقول بتصفية الحسابات فتلك مفاهيم اقل ما يمكن وصفها به إنها ضرب من العبث والتسلية.
إن قطاع العدالة كغيره من قطاعات الدولة ظل ردحا من الزمن يتأرجح بين الانزلاقات لا إلي هؤلاء و لا إلي هؤلاء حتى جرت الرياح بما يشتهيه المتقاضون وبدأت محاولات الإصلاح.
استوقفني كثيرا حديث البعض ووصفه للتحويلات الأخيرة بأنها جهوية أو قبلية وان الموضوعية غابت عن تلك القرارات، وهنا أقول للأمانة، من وجهة نظري الخاصة، إن تلك التحويلات ما افتقرت لمعيار أكثر من افتقارها لمعيار الجهوية والقبلية؛ فلو تعلق الأمر بالأول لكتب لكاتب هذه السطور مسارا آخر لانتمائه لنفس جهة رئيس المحكمة العليا، ولوكان الثاني لتدخل الوزير. غير أن ما جري ، وهذا ما يجب علي الجميع استيعابه وفهمه بموضوعية ثائرا بذلك علي عادات وتقاليد الوساطة التليدة غير المفيدة، كان وفق معايير موضوعية أو هكذا خيل للقائمين علي القطاع وفقوا أم لا؟ تلك مسألة أخري، قطعا اجتهدوا فلهم الحد الأدنى.
إن الموظف العمومي وخاصة في السلطة القضائية أيا كان وأني كان إذا ما لم يكلف فمن واجبه الرضي و القبول ومن مسئولياته الانسجام والابتعاد عن كل ما من شانه أن يؤدي إلي الاحتجاجات غير الشرعية وأحيانا غير اللآئقة.
فمن أحيل إلي الوزارة ليس ذلك تحقيرا ولا تقليلا من شأنه و من كلف بالممارسة فتلك مسؤولية جسيمة فليخشي يوم التلاقي يوم هم بارزون وليتق الله يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وليعلم أنها ليست نزهة ولا تعيينا بالمفهوم المتداول.
ختاما، الأمر يتعلق بإستراتيجية قطاع حساس القائمون عليه أدري بحيثياتها والميكانيزمات المتبعة من اجل تحقيقها وما يحتاجونه والقطاع هو عون الجميع وتكاتف جهود الكل نابذا الحساسيات غير الشريفة والتحاسد فالكل من موقعه له واجبات ويتحمل مسؤوليات تفضي لاستعداده للتضحية بما يمليه الظرف، وبذلك تنتفي الحاجة للقيل والقال وبهذا وحده يتحقق العدل ويعم الرخاء وان لم يتساووا في الأجران ففي الواحد هم متساوون ولمثل هذا فليعمل العاملون.