تحكي الرواية أن رجلا من الإمارة تمرد علي أقاربه وخرج بحثا عن النفوذ إلي المناطق المحاذية للنهر وهناك وجد أرضا يستقر بها ، فأقام معسكراته إلي أن شعر بوهن الإمارة فأعاد الكرة علي بني عمه واخذ الإمارة لنفسه وبقية البلدة التي اتخذها معسكرا تتسمي باسمه، إلي أن جاء زنوج من التخوم الموالية ربما يحملهم السيل “كما يقال” ـ علي تضارب في الأقوال ـ فحرف الاسم إلى سيلبابي وهو الاسم الذي بقية عليه المدينة إلي أن قدم إليها احد أساتذة التعليم في النصف الثاني من القرن الماضي ، حيث كانت الكثير من المناطق الموريتانية ترزح في تخلف حضاري وعمراني لاسيما النائية منها ـ و للتذكير فأن من المناطق النائية ما أبعدته المسالك النهرية والأرض الطينية الزراعية ومنها ما أبعدته الرمال والتصحر ـ هكذا أطلق الأستاذ علي المدينة اسم “سائل العذاب” ربما بعد مشقة السفر إليها وعناء الإقامة فيها ، حيث كانت الكثير من المناطق في ذالك الحين لا يتوفر فيها الكثير من وسائل الترفيه.
عززت المقولة أن المنطقة وعرة المسالك الترابية بسبب كثرة الجداول المائية كما أن السكان أهل زراعة ليس لهم في القيل و لا القال كما هو حال بعض المناطق التي يمضي بعض الناس معظم أوقاتهم في فراغ، وهكذا ، جنة المقولة علي المنطقة أسوء جناية في التاريخ المعاصر لموريتانيا بحيث أصبح كل من تبعث بهم قطاعاتهم إلي سيلبابي من شدة تصورهم أنهم معاقبون و بالتالي يكتفون من العمل بما هو روتيني و لا يكلفون أنفسهم مشقة الاهتمام بالإنتاج و التفكير في مصير هذا الجزء من موريتانيا معللين الأمر بالظروف الصعبة في المنطقة و مكرسين بذالك المقولة أن الأمر حقيقة “سيل العذاب“
و لان المجتمع الموريتاني مجتمع يروي الحكايات، طارت الشائعات إلي كل مكان أن الحر لا يطاق في المدينة والمنطقة كلها ، وان البعوض يأكل الناس أحياء، والغريب ، أن في موريتانيا مدنا أكثر حرا بكثير من ما هو عليه هنا حتى في اشد أوقات الصيف قيظا ، كما انه مما هو معرف عند القاصي والداني أن احد أحياء العاصمة الراقية يوجد البعوض الذي يُتندر عليه ، و الكثير من ارض العالم و حتى الدول الراقية يقتل البعوض ألاف الناس سنويا .
سأخالف معايير الكتابة وابدأ من النهاية، خلاصة القول أن الأرض هنا “جنان خصبة ” و المنطقة كلها في جميع جوانب الحياة لا تزال “عذراء” ، فالاقتصاد يعتمد علي الزراعة بالأساس أو ما تعطيه الطبيعة إلي من يرتادونها في زمن الخصوبة ، يباع المحصول في سوق محلية وفي بعض القرى يقايض المزارعون محصولهم الذي جنوه من كد سواعدهم إلي تجار اختلط مفهوم “السماحة” و “الاحتكار” لديهم .
رغم أن المناطق الشرقية من البلد عرف عنها ريادتها في التنمية الحيوانية إلا أن منطقة “كيد ماغا ” أيضا فرصة سانحة للمنمين ممن يبحثون عن المراعي لا سيما منها ما كان ذا طابع حديث فالمنطقة تعرف غطاء نباتيا كثيفا غير مستغل. أما الزراعة فالمنطقة محاذية للنهر “الشيخ أنتا جوب” (في أطروحته عن النيل) وتعرف الأرض الكثير من الينابيع والسواقي و الممرات المائية التي يمكن استغلالها حتى كطرق للنقل بين المدن و القرى.
في جانب الخدمات يعيش في “كيد ماغا” أكثر من مائتي ألف ساكن وهي من أكثر المناطق كثافة سكانية زد علي ذالك أنها تقع علي حدود مشتركة بين مالي من جهة و السنغال من جهة أخري ، وهي بذالك تكون سوق حرة مفتوحة وفرصة لمن يريد الاستثمار في مجال للخدمات العامة بجميع أصنافها.
ألاف الأطنان من خيرات الأرض لا تجد طريقها إلي العاصمة نواكشوط والمناطق الأخرى في الأوقات التي تكون الطريق غير، فيذهب الكثير منها إلي الدول المجاورة لتستفيد من الضرائب عليها، قبل أن تأخذ طريقه إلي مختبرات عالمية لصناعة الأدوية والغداء ومواد الزينة، دون أن تستفيد الدولة أوقية واحد.
في جميع مجالات الحياة لا تزال سيلبابي تعاني ما جنته عليها كلمة عابرة من أستاذ ربما كان يبحث عن المرح ، وتبقي هذه دعوة إلي كل من يبحث عن ما هو جديد يستحق الاستكشاف ، دعوة إلي الصحافة الوطنية والمستقلة إلي زيارة المنطقة وتقديمها إلي الجمهور بالصورة الحقيقة ، دعوة إلي رجال الأعمال الباحثين عن فرص حقيقية للاستثمار وهي كثيرة جدا ولا حصر لها ، دعوة إلي جميع قطاعات الدولة إلي إيجاد إرادة صادقة لفك العزلة عن هذه المنطقة التي تشكل خيراتها مردودا معتبرا على الاقتصاد الوطني ويمكن استغلاله بشكل أفضل، دعوة إلي السلطة الوطنية إلي إعطاء عناية لهذا الجزء الحيوي من موريتانيا.