حوض آركين: محمد ناجي ولد أحمدو
ضجت الأرض من وقع أقدام لاعبي الدبوس.. الذين يستقبلون بـ”بنجه” الجمالين المتنافسين في سباق ضم ما يزيد على الثلاثين جمالا، في قرية “آركيْس” الشاطئية، في منتصف الطريق البحري الرابط بين العاصمة السياسية الموريتانية نواكشوط وأختها الاقتصادية نواذيبو.
المناسبة الدورة الرابعة للأيام الثقافية والسياحية لمنطقة ايمراكن، التي نظمت هناك، في القرية الصغيرة التي يحيط بها البحر من ثلاث جهات، من الجنوب والغرب والشمال، تاركا لها مدخلا وحيدا من الشرق.
تفصل “كديه” كما تسمى هنا، مع أن زوار المنطقة من ابناء المناطق الجبلية يسخرون من الاسم، معتبرينها مجرد تلة صغيرة لا تستحق ذلك اللقب، تفصل بين جانب القرية الغربي والمحيط.
المرتفع لا يخفف من غلواء البرد القارس هنا فقط، بل إنه يوفر محطة طبيعية لالتقاط ترددات شبكات الهاتف الخلوي المحلية الثلاث لسكان المنطقة، كما يعتبر فضاء لتنزهات أهالي القرية الصغيرة في المساء.
نحن في آركيس في قلب منطقة حوض أركين، المحمية الطبيعية العالمية، المدرجة على التراث الثقافي والطبيعي الدولي.
سكان المنطقة، وإن لم يعودوا معتمدين كليا على البحر، ما زالوا يجدون فيه مبرر وجودهم، رغم أن التقاليد القديمة في الصيد تراجعت عن مكانها مفسحة المجال لتقنيات جديدة.
غير أن رباعيا من صيادي ايمراكن تكفلوا بإعادة تمثيل بعض الذكريات لضيوف آركيس، ومن ضمنهم أجانب.. تحرر الأربعة من قمصانهم، وانتعلوا بوطات (أحذية مطاطية يستخدمها الصيادون)، وسروايل قصيرة.. وحملوا على الأكتاف شباكهم.
هي عملية صيد العاتق، كما تعرف هنا، ولا يقوم بها الا الرجال المقتدرون، وكانت القدرة على القيام بها شرطا من الشروط التي تطلبها “التامركيت” ـ المرأة من ايمراغن ـ في فارس أحلامها.
يعيش سكان القرية القليلون، كما لو كانوا خارج الزمن، لا مدارس هنا، ولا مستشفيات، رغم أن رباعيات الدفع تمثل سمة من سمات المنطقة.
يطالب قاطنو اركيس بحزمة من المطالب ليس أولها التغطية الصحية والتعليمية والهاتفية، فـ”رغم أن منطقتنا من أهم المناطق في التراب الوطني من الناحية السياحية، إلا أنه يخيل لنا أننا لا ننتمي لهذا البلد لأنه لم يقدم لنا شيئا”؛ تعلق عيشة أصيلة المنطقة.
آخر زيارة يقوم بها رئيس موريتاني للمنطقة كانت عام 1976، من طرف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، عندما اشرف رفقة تيودور مونو على إنشاء الحظيرة الوطنية لحوض آركين.
على بعد خمسة وثلاثين كيلومترا جنوب آركيس.. تنام جزيرة تيدرة.. التي منها انطلق المرابطون ينشرون الإسلام والحضارة في المنطقة.
بعد أفول شمس المرابطين بقرون، جاء الأروبيون.. البرتغاليون أولا حينما كانوا سادة البحار، فالهولنديون فالإنجليز.. هي منطقة متخمة بالماضي.
حاول البرتغاليون تدشين تجارة المثلث المشؤوم من هنا.. اختطفوا فتيانا من إيمراغن.. لكن أحفاد المرابطين ورثوا عن جدودهم مضاء وعريكة شَمُوسا.. كانت النهاية الدراماتيكية انتحارا جماعيا في عرض المحيط.. ومن حينها أطلق تجار النخاسة محاولة تجربة شواطئ موريتانيا كبنك للعضلات التي قامت على عرقها نهضة أروبا.
لا يدري الكثيرون سر تسمية آركين بهذا الاسم، وربما لا يعرفون أن دماء عربية تجري في تلك التسمية رغم التحريف.. تكسو شواطئ المنطقة نباتات العرجم الذي يعد غذاء مفضلا للإبل. وحرف الأوروبيون العرجم حتى صار “آركين”.