منذ 50 عاما من الاستقلال؛ بل قبلها منذ عصر المشاريع الاستعمارية الكبرى؛ التي مهدت للغزو الأمبريالى؛ وفى النصف الثاني من القرن التاسع عشر؛ كان الحرطانى يعيش في عالم موصد الأبواب، رغم أنه عالم مفتوح ؛ كان العبد حبيس سجن الحياة المؤبد سجن العبودية النافذ؛ محبوسا في حصن منيع؛ مرغم على أن يكابد ما يمليه عليه السيد المتسلط؛مختارا له مكانة دونية ليعيش حياة لاشعورية…… !! هذا الهجوم الشامل لضرب وتحطيم الأسس المبدئية لتكوين الشخصية و الإحساس الشعوري عند الحرطانى؛ كان سببا في ظهور الحركة الفكرية “الحر.
في هذا الجو القاتم ؛الذي تعتبر العبودية فيه حسب تأويل الأسياد جزء من العقيدة السماوية؛ لذا فإن الحديث عنها يعتبر موضوعا محظورا؛ في أوساط العبيد؛ أحرى الأسياد الذين أفتى بعضهم ؛ بردة وكفر المدافعين عنها ، لتعارض دعوتهم مع نص التنزيل. ظهر أول منشور يطالب بإلغاء الرق؛ لأنه ظلم وجريمة ضد الإنسانية ، وهو ما أثار حفيظة الإقطاعية التى ؛ تحالفت مع للدولة المسيرة من طرف ملاك العبيد و أبناء ملاك العبيد؛ سواء كانوا بيظانا أو زنوجا أو المتعاونون معهم أو المؤتمرون بأمرهم من مختلف الأتباع …. للوقوف في وجه امتداد هذا العمل آملين في العثور على أولئك الذين أحدثوا في أمرنا هذا ما ليس منه؛ حسب تعبير السادة ملاك العبيد. هنا اشتد الخناق على النفر المؤسس للمولود الجديد؛ الذي مازال البحث جاريا عن معرفة أسماء مدبريه؛ لكن الجميع مجمع على أنها حركة من العبيد أو أبناء العبيد؛ تطالب بحريتها؛ وربما قد تكون أطلقت على نفسها؛ اسم “أخوك الحرطانى ” وهو الاسم الذي ظهر كعنوان للمنشور الذي وجد في الشوارع الرسمية للعاصمة نواكشوط؛ وفى باحات الأماكن العمومية ؛ كان هذا المنشور من أنتاج وتحرير الأخ المناضل والقائد مسعود ولد بلخير؛ مؤسس الحركة ومنظرها؛أخذ المنشور شكل رسالة عنونت ” بأخي” واختتمت” بالحرطانى ” واعتمد ت كإعلان رسمي لانطلاق الحركة ؛ تتالت المناشير وتتابعت الأحداث بعد ذلك ؛ وبدأت الأعداد المؤيدة لهذا الاتجاه؛ والمتبنية لهذه الفكرة؛ تتزايد بوتيرة متسارعة مع الزمن ؛ لكن مقاومة شرسة من طرف الإقطاعية والدولة ؛ كانت ردة الفعل على إعلان المولود الجديد؛ الذي يحمل مطلبا رفيعا جدا؛ مبنيا بصورة بالغة الاختلاف؛ مع نمط و تصور وتفكير الملاك. في العقدين الأخيرين من القرن الماضي؛ الثمانينات والتسعينيات؛ ومواكبة للطفرة الثقافية؛ التي أفرزت جيلا متعلما ومثقفا؛ من أبناء العبيد تسلل بعضهم؛ للوظائف العسكرية والإدارية… ليتشكل بعد ذلك خليط؛ يتكون من عسكريين؛ موظفين؛ جامعيين؛ من بينهم مغامرين وانتهازيين…. منهم من كان همه الوحيد؛ التعرف عن قرب على الأسماء الكبرى؛ التي تدير و تهندس عمليات الحركة الفتية؛ لضمان خدمة الأسياد ؛ …وتلك الأسماء معروفة لدى الكل؛ ونحن نعرفها جيدا ….هم أولئك الذين…. اتخذوا الحركة كممر للعبور لشغل المناصب السامية والتي تم توظيفهم و استغلالهم فيها على حساب القضية حيث تم استخدامهم لتسفيه وتكذيب طرح زملائهم للقضية في المحافل والوطنية الدولية….!! ويبقى مسعود ولد بلخير ثابت الخطى ماكثا في الأرض؛ يجر قطار القضية بعرباته المتعددة على طريق رملي طويل؛ متأكدا أن حلمه سيتحقق في يوم من الأيام لا محالة؛ مستعينا بالصبر والصلاة والإيمان الثابت؛ متمسكا بأهدافه متميزا بخطابه؛ وفيا لمبادئه . ومن سوء الحظ أن هذه الحركة ولدت في الظروف الصعبة ؛ الحكم العسكري الإستثنائ؛ الحكم القبلي الإقطاعي ؛ التدني الشديد في المستوى الثقافي و الديني لسكان البلد؛ وكذا التخلف المدني والحضري؛ إنه عصر التبلد الفكري؛ عصر الانحطاط؛ عصر الظلمات والاستعباد؛ وذروة الطغيان البشرى … في غياب كامل لشتى وسائل وأنواع التبليغ ؛مع حظر كل التجمعات سواء كان نوعها؛ هذا المحيط المظلم ساعد في تفشى ظاهرة التنظيمات السرية؛ بوصفها هي الوسيلة الوحيدة و المتاحة لممارسة العمل السياسي؛ والتعبير عن الاستياء من الأوضاع غير المرضية؛ العبودية ؛الظلم عدم العدالة …. وقد عملت كل الحركات السرية آنذاك؛ فى الخفاء وتحت أجنحة الليل؛ ليس لها من وسيلة غير ذلك؛ فتارة تلجأ للكتابة على الجدران كأسلوب للتعبير؛ وتارة أخرى تلجأ للمناشير . وفى مرات قليلة تلجأ للمسيرات المرتجلة …. كان من الضروري القبول بالحديث عن العبودية في مجتمعنا المعاصر؛كما أنه من الضروري أيضا التوصل للقناعة الراسخة من جميع الأطراف بضرورة إنهاء كل مظاهرها؛ كان ينبغي أن تكون مقبولة كموضوعات للدراسة في المدارس والثانويات والكليات على أقل تقدير؛ وهنا أتفق مع ولد بلا ل في تحليله لهذه النقطة في مقال سابق؛ فلو أن الموريتانيون وبالأخص فئة البيظان؛ اقتنعت بإدراج موضوع حول مخاطر ظلم العبودية في المناهج التربوية؛ لكانت الظاهرة قد اختفت من ذاكرة الأطفال أجيال الغد؛ ولهذا أوجه نداء للأسرة التربوية أن تأخذ ها الموضوع بعين الاعتبار في الأيام التشاورية المقبلة للتعليم . و محاولة منا لتشخيص هذا الواقع لابد لنا من تحليل ظاهرة السلوك الجمعوى؛ لفهم واستيعاب ميكانيزمات التغيير الذي نتطلع له؛ والنموذج الديمقراطي الذي نتوق إليه؛ ثم الأسس التي ينبغي لديمقراطيتنا أن تقوم عليها؛ كالحرية من أغلال وقيود العبودية؛ ثم معالجة كافة الملفات التي تضمن حسن سير المؤسسات العمومية ؛ الحكم الصالح ؛ إصلاح العدالة؛ مكافحة الرشوة والفساد؛ حرية الإعلام؛ الأمن؛ مكافحة الفقر و الأمية؛ الصحة؛ التعليم؛ السكن؛ الوحدة الوطنية؛ متخذين كبداية لذلك إنهاء الرق والدخول في الإجراءات المصاحبة للقضاء عليه وعلى جيوبه؛ واستكمال العودة المنظمة للمبعدين؛ وتسوية ملف الإرث الإنساني ….تلك مواضيع من أهم المشاكل والمعضلات؛ التي تشكل خيطا متصلا ؛لنضال زعيم ورمز وطني بذل حياته لخدمة هذا الشعب بصفة عامة والحراطين بصفة خاصة ؛منذ نعومة أظافره؛ زعيم لم يتظاهر بمظاهر الفخر والأنا ؛ والاعتزاز بالنفس؛ بل ظل بسيطا متواضعا ؛ ناسيا لذاته متجاوزا النظرة الإقصائية؛ مع أنه عانى منها لعقود؛ مترفعا عن التصورات الضيقة؛ …. يمثل هذا الرجل أسس مدرسة فكرية عميقة النظر؛ معتدلة التوجه؛ قوية الموقف ؛ متميزة الطرح والتصور؛ منفردة بعمق الرؤية في حل المشاكل الوطنية؛ ……زعيم لم يهادن؛ ولم يساوم بمصلحة البلد؛ لم يستسلم للضغوط؛ ولم يبخل في الدعاية والتبليغ وتوضيح وشرح معاناة العبيد ؛ كلامه مرآة عاكسة لحياة مجتمع مختلف الأعراق؛ لم يستمله اليأس والإحباط للعنف والتحريض؛ رغم الهزات العنيفة والاتهامات الخطيرة؛ والمضايقات الكثيرة مع التشويش والتشويه الذى كان موضعه لفترة غير قصيرة ؛ لا لشئ إلا لأنه قال ” نريد حقوقا سياسية واجتماعية متساوية؛ وقوانين واضحة وصريحة لإنهاء الرق في موريتانيا ؛ كان دائما يحذر من عواقب الكبت وحجب الحرية؛ والظلم الذي يتعرض له الفقراء والمظلومين على مدار الساعة ….”إن دلالة الكلمات التي كان يعبر بها؛ الفقراء عن أوضاعهم ومشاعرهم؛ لهى وحدها القادرة على حل لغز العنف الصامت والصرخات المكبوتة؛ التي كانت حتما لولا حكمة مسعود ولد بلخير؛ ستؤدى لإ نتفاضة المسحوقين والمهمشين …. ثورة المظلومين والمحرومين ثورة العبيد من أجل الحرية…. إن أي نهضة حضارية؛ يجب أن تقوم على أساس تحديد مشروع حضاري؛ يهدف إلى الإجابة عن إشكالية؛ المدينة الفاضلة والإنسان الكامل؛ من رؤية وطنية عربية إفريقية وغربية حتى؛ رؤية تجمع بين الخصوصية الأصلية وبين الحياة المعاصرة؛ في اتجاه مستقبلي متقدم؛ فهذا المشروع يجب أن يكون من إسهام الجميع؛ في التخطيط لمستقبل الإنسان الموريتاني: الحرطانى والبظانى والكورى لا بشكل بناء الإنسان التقليدي؛ ولكن بصورة بناء الإنسان الجديد؛ الإنسان الراقي الإنسان المدني الحضري؛ الذي لا يفكر فى نفسه فحسب؛ بل في من حوله الإنسان الوطني؛ لمجتمع المستقبل الإنسان المتجاوز لذاته؛ القادر على العطاء والتجديد؛ وتحديث حياة المجتمع بصورة عامة و الحرطانى بصورة خاصة؛ فى عالم الغد المتغير؛ ومن هنا تبرز أهمية تحديد الإستراتيجية وإبراز الهدف بصفة اكثر شمولية وعمقا. يتحدث الفكر العربي عن عصر النهضة؛ على أنه عصر إنعتاق الإنسان والعقل؛ من عقود الظلم والجهل والأغلال؛ عصر الانتقال من ظلمات القرون الوسطى إلى نور العصر الحديث؛ عصر الخلاص من عهد الوصاية الفكرية والانتقال إلى عصر المساواة المواطنية؛ و من عهد محاكم التفتيش والحجر على العقول وسيطرة الإقطاعية وقمع النشطاء والمثقفين وأصحاب الرأي ؛ إلى عهد الحرية معتقدا وتعبيرا؛ ومن عهد الحكم المطلق إلى عهد الحكم البرلماني الليبرالي؛ ومن البلاد المجزأة إلى الوحدة القومية. لقد أصبح العالم وللمرة الأولى في تاريخ البشرية عالميا؛ منذ أقل من نصف قرن ويرجع ذلك إلى :الاتصال التوجيهي والتطبيعات المعممة للالكترونيات ووسائل الإعلام الشعبي؛ الذي يهمنا هنا هو محاولة صياغة أو تحديد مفهوم؛ يهدف لصهر مختلف شرائح المجتمع؛ في سلم يتسم بالحصر النمطي؛ وهو ما سيؤدى في نهاية الأمر إلى فصل المجتمع إلى قطاعين: – ” قطاع طبيعي تقدمي راق متحرر من كل سلبيات الماضي -قطاع تقليدي محافظ متخلف مغترب عن العصرنة متراجعا عن مسيرة التطور الإجتماعى . ومن الطبيعي أن تطرح هنا قضية الأولويات كمعرقل لهذه التطورالإجتماعى أو الحركة الاجتماعية فئ اتجاه التطور …. يميل البعض إلى إعطاء الأولوية لقطاع الإنتاج الإقتصادى والسعي وراء المتعة والشعارات الصغيرة ….إلا أن الأولوية حسب اعتقادي يجب أ تعطى للبعد السياسي؛ إذ أنه هو الذي يحدد في نهاية الأمر الأولويات ويقررا لهيئات والمؤسسات المختلفة؛ ومن هنا تأتى التفرقة التقليدية؛ بين الليبرالية والأوتوقراطية؛ بين الديمقراطية والدكتاتورية؛ بين الجماهيرية والاستبدادية؛ بين الإجماع وقيادة النخبة …. وهناك من يرى أن الأولويات تتحد في مجال الفكر والأديولوجيا …..ابتداء من إطاراتها التكوينية الخاصة ؛ومن هنا تنبع المواقف التي تؤكد خصوصية المكونات الاجتماعية وتمايزها كل على حدة ؛لتبدأ التفرقة وتختفي المسؤولية الوطنية وترتخي علاقات الانتماء للوطن …إنه لا محالة سيبدأ صراع الأيديولوجيات العقائدية القومية على حساب الوطنية؛ لتستيقظ بذلك النظرة الضيقة والنعرات العرقية الإتنية على حساب البعد الوطني؛.لكن حينما يتمكن أبناء العبيد وابناء تجار العبيد القدامى الجلوس على طاولة واحدة؛ عندئذ سيرى الجميع أمل التضامن والوحدة وأفق الوئام والأخوة؛ حينما يسعى الاثنان معا البيظان والحرطين؛ لا إلى التعطش للسلطة والنقود؛ وإنما إلى الاهتمام برفاهية بلدهم والإتحاد من أجل هذا الهدف؛عندئذ ستتعلق الأبصار بالمستقبل و تهون التضحية في سبيل الوطن ؛غير أن هذا كله يبقى مرهونأ بمدى تحسن المستوى الديني والثقافي للمجتمع؛ حتى يستطيع فهم قيمة الحرية ويدرك خطورة العبودية وما تسبب من تهديد للسلم الأهلي. إن جوهر خصوصية اليابان؛ يكمن في قوة الوحدة الوطنية ووضع الاتفاق الوطني فوق أي اعتبار آخر؛ إلى حد تقديس مفاهيم الوحدة القومية والوفاق القومي؛ ومن هنا تأتى أهمية النضال للقضاء على العبودية والسعي لتقوية أواصر الوحدة الوطنية ؛للوصول إلى النموذج الياباني في القوة والإتحاد؛ ومن ثم الوصول لمكانتها في التقدم الصناعي والتكنولوجي. وهو أمر ليس بالمستحيل فشواطئنا الغنية بالأسماك؛ وأراضينا الشاسعة والصالحة للزراعة؛ وثروتنا المنجمية والمعدنية والحيوانية والنفطية…؛ هذه الثروة الهائلة كانت كفيلة بأن تجعلنا في ركب الأمم المتقدمة ؛ لوأن تسييرها وضبطها تم بصورة شفافة. فعائدات السمك؛ النفط ؛الحديد ؛السمك ؛الذهب ؛الفوسفات ؛اللحوم والجلود…تذهب إلى حسابات خاصة لتستقر في صكان نساء سيدات القصور؛ وجيوب رجال وزراء ومدراء ومسئولين عاليين لا تستثمر فيما يعود بالنفع العام على السكان؛ لا فى بنى تحتية ولا مطارات ولا أنفاق وجسور ولا شوارع حتى… ولم تستثمر في الدراسات والبحوث …. بل تستخدم في شراء السيارات الفارهة رباعية الدفع؛ من آخر إنتاج للمصانع اليابانية والألمانية؛ كما تبذر هذه الأموال في الملاهي والندوات والكازينو …..فتلك شعوب زرعت فحصدت؛ ونحن شعب وضع البذور في غير منبتها فإذا الأرض تهضمها ثم لا تتمخض عنها ؛كما قال هيكل وكما يقول الشاعر ومن يبذر الشوك يجنى الجراح….. وقد سعى مسعود ولد بلخير من اجل الوصول للنموذج اليابانى اكثر من مرة ويمكن أن نرى ذلك من خلال المقطع التالى ” إنني لا أهدف من وراء نضالي لمصلحة شريحة أو فئة معينة دون الشرائح الأخرى؛ إنما أهدف من وراء نضالي للحرية والمساواة بين جميع أفراد الشعب وتكافئهم في الفرص؛ رغم أنى صاحب قضية الكل يتنكر لوجودها؛ ورغم كل ذلك فإنها موجودة؛ ولن نحل أحزمتنا حتى نفك قيد العبودية ومخلفاتها عن آخر عبد على أراضينا” . وهذا المقطع يتقاطع مع عبارات ظل الزعيم الإفريقى نيلسون مانديلا يكررها حيث يقول: “لقد ناضلت ضد سيطرة البيض؛ وناضلت ضد سيطرة السود؛ وغايتي هي مجتمع ديمقراطي حر؛ يعيش الجميع فيه بود ومحبة ويتمتعون بإمكانيات متساوية.” وفى رأينا أنه تجب إعادة النظر في الكثير من معطيات الفكر واتجاهاته المتصارعة في بلادنا؛ وكذالك التجارب السياسية الفاشلة وحركة التشريعات والقوانين والتطورات الحديثة في البلد ؛ لعجزها عن صهر المجتمع فى أفران الوحدة الوطنية . إن الاستقلال كلمة تحمل الكثير من المعاني والتفصيلات والأبعاد السياسية؛ ولا تقتصر على رفع علم أو صك عملة أو تأميم شركة وتعبيد طريق؛ بل كلمة ذات بعد ودلالات عميقة؛ فهي تعنى الحرية و الحرية هي أولى وأهم درجات التحكم في النفس وتسيير الشأن الداخلي؛ وقد سيرت الدولة في خلال كل هذه الفترة من طرف الإقطاعية ولصالحها ؛.ويشكل الاستقلال وتطورا لثقافة والتخطيط أهدافا سياسية جوهرية؛ ولكنها ليست إلا أدوات فى خدمة المشروع العظيم؛ الذي يحيل مفهوم العبودية إلى متحف التاريخ مثلما أحال الاستعمار وسلبياته إليه . يتمثل الجهد الإساسى لمسعود ولد بلخير فى محاولة تحديث وعصرنة الإنسان الحرطانى ؛الذي ظل إلى زمن قريب إنسانا صوريا؛ فتعزيز مكانة الحرطانى فى عصر العولمة؛ تقتضى تخليصه من جمود الفكرة والانحصار العمودي الذي لا يسمح بالتمدد الأفقي؛ ومن البديهى أن تعترض فكرة التحديث هذه؛ لمقاومة داخلية أو خارجية؛ باعتبار أنها منهج غير قادرعلى معالجة وحل المشاكل التي يعيش الحرطانى؛ غير أن تلك المقاومة سواء كانت داخلية أو خارجية سترى بأم العين في مقتبل الأيام؛ نجاعة هذا المنهج وسلامته في هذا الزمن بالذات وما بعده إنشاء الله. كان الحر عبارة عن مجموعة من نفس الشريحة تحمل نفس الفكرة وتؤمن بنفس الأهداف ولكنها ومع مرور الزمن وخلال العقد الأول من القرن الحالي اتسعت القاعدة الشعبية التي حملت فكرتها ودافعت عنها ومن بينها ملاك العبيد قدامى. هذه المكاسب لابد وأنها ستساعدنا على أن نرتفع إلى مستوى حركة التاريخ العامة لمسايرة تطورا لثورة الثقافية والعلمية على نحو يسمح لنا بتفعيل التداخل الذي يتيح توحيد الرؤية السياسية حول مختلف القضايا الوطنية. منذ ثلاثين سنة خلت والحديث عن فروع العبودية “التهميش” التمييز” العنصرية “الظلم” الغبن”و “الإقصاء” هي العناوين الكبرى لكل مقابلة أو تصريح أو خطاب للزعيم الوطني مسعود ولد بلخير وكانت الثلاثون سنة كافية لكي يبدأ الحرطانى بأخذ زمام المبادرة لقيادة مسيرة التمدد الأفقي؛ لإقناع وطمأنة كل مكونات المجتمع؛ على انفتاح الحرطانى واستعداده للتعايش السلمي مع إخوانه ” لكور” والبيظان” وأن الدفاع عن القضية لا يمكن أن يكون يحمل أبدا فكرة الانتقام من ممارسيها. تراءت معالم المبادرة في نهاية العام 2007 وبرزت بوضوح في منتصف العام2009 بقبول حرطانى كمرشح لبارونات الإقطاعية؛ وبعض رجال الدين وثلة من رجال الأعمال والأتباع وآلاف من الحراطين الذين جيء بهم من طرف البيظان ……وهى مسألة غير مألوفة في التاريخ القريب لنا أما البعيد فعفا الله عما سلف…غير أن عوائق جمة مصطنعة وطبيعية عن قصد أو عن غير قصد اعترضت هذه الحركة الديناميكية أو الإستاتيكية المتسارعة للمجتمع؛ حيث يبدوا من الواضح ظهور صعوبة في تحليل وقراءة رأى القوى المكونة للحقل السياسي الوطنى من المرحلة الانتقالية إلى ما بعد الإنقلاب. وفى الأخير يجب أن نعمل لمساعدة الحرطانى ليتمكن من معرفة: كيف يمكن له أن يعيش محترما فى وطنه معتزا بنفسه ومكانته؟ كيف يمكن له أن يحسن من وضعه الإقتصادى والثقافي؟ كيف يمكن له أن يوفر لنفسه الحماية؟كيف يمكن له أن يصل لأعلى درجات الشعور بالإنتماء للوطن و للمحيط الذى يعيش فيه؟ كيف يمكن له أن يتحرر ويستقل بنفسه عن الأخر ؟ كيف يمكن له أن يحافظ على علاقاته الاجتماعية دون أن يكون ذلك على حسابه ؟ كيف يمكن له أن يثبت قدراته وجدارته لينتزع مكانته في عالم اليوم ؟ كيف يمكن له أن يقاوم التبعية التى تعددت مظاهرها وإشكالها وتغيرت ألوانها ؟ كيف يمكن له أن يثبت هويته الإسلامية العربية ؟وكيف وكيف …. ؟