إنه لمن المؤسف جدا أن يكون القهر و الاستبداد أحالا حياة التونسيين،أبناء تونس الخضراء، بلاد الحضارة العريقة و الأدمغة النابغة و السواعد القوية الماهرة إلى جحيم و حدا بهم الفقر والشقاء و الظلم إلى الخروج إلى المجهول كاشفين رؤوسهم و صدورهم لرصاص المجرم بن علي.
هزت أصوات الشعب التونسي الثائر الشوارع و الأزقة و أوصل المتظاهرون صراخ غضبهم إلى جميع بقاع العالم فتصدى جهاز الأمن في مدن تونس و أريافها بكل شراسة للمتظاهرين ليقمع و يقتل، فاستشهد عدد كبير من أبناء تونس العزيزة و لكن روح الشهداء الأبرار و الدماء الزكية تمكنت من طرد المجرم – كما يطرد الكلب الأجرب- ليلقى مصيره الحتمي ذليلا في غربة وعزلة لم يكن أبدا يتوقعهما.
لقد غاب بن علي مكرها عن أمراء و رؤساء كانوا يمجدونه و يقدسونه و يشرفونه بزياراتهم له على أرض طاهرة حولها إلى سجون مظلمة، نتنة… لم يكن أبدا هؤلاء الحكام ينظرون و هم يزورون تونس إلى تلك الأفواه المكممة وذلك الشباب المعطل عن العمل و المطالعة…. كانوا يحسدون بن علي على مستوى نمو كاذب لفق أرقامه أجهزة مخابراته و صدقه على علمهم بزوره- و كعادتهم- خبراء المنظمات المالية الدولية. كان هؤلاء الحكام السذج يتمنون أن يحصلوا على استقرار و ثبات في الحكم كما يوهم إليهم أن جلاد القرن وصل إليه. كانوا يرسلون مخابراتهم و سلطات أمنهم إلى تونس كي يقتبسوا من الخبير طرق تجويع الأرامل وسجن الصحفيين الأحرار و قتل المناضلين الأبطال. كانوا يتعلمون منه كيف توزع الصلوات على المساجد كي لا يسمع الأذان وكيف تدس كرامة النساء و الصبيان. ترى كيف يفكرون اليوم؟لا شك أن الحسرة كبيرة و المستقبل مرعب.
…. هرب و إلى الأبد بن علي تونس لكن “أبناء علي” الآخرين ما زالوا جاثمين على صدور أبناء هذه الأمة، يجوعون ويسجنون ويقتلون، فمتى سيرحلون كما رحل “كبيرهم”؟ لن تنفعهم أموالهم و لا أولادهم و لا بطانتهم السيئة التي دأبت و بكل مكر على التصفيق لهم و حمايتهم، كما لن تنفعهم الزعامات الغربية التي راهنوا عليها كثيرا و ظهر ضعفها أمام إرادة الشعوب. فأين سركوزي؟ و أين أوباما؟ وأين مركل ؟و أين وكالة الإستخبارات الأمريكية؟ و أين الموساد؟ و كيف تحول الأوفياء في وجه بن علي إلى “أصدقاء للشعوب و مدافعين عن الديمقراطية””.
يقول المثل الحساني (المدرك إبليام عريان)، وسفينة بوزيد التونسية ستدخل شامخة كل الدول العربية حاملة معها غضب و بسالة الشعوب ، جارفة كل الطغاة، لترميهم كما رمت من قبلهم من المستبدين في مزبلة التاريخ.
فيا من نصب نفسه حاكما على شعب عربي من المحيط إلى الخليج ،سواء بواسطة انقلاب، أو انتخابات مفبركة، أو توريث للحكم، كفاك ظلما و بطشا. إن الشعوب العربية تريد الحرية، تريد العمل الشريف، تريد العيش الكريم، تريد مستقبلا زاهرا لأبنائها ، تريد أن تتمكن من اختيار حكامها بنفسها بعيدا عن التزوير و شراء الذمم،….فهل فعلا وصلتك الرسالة؟ وهل الشعوب العربية ستنتظرك حتى تظهر لهم على الشاشة وقد حزمت أمتعتك لتقول لهم “فهمتكم ! فهمتكم”؟ طبعا لم ولن تفهم و الشعب لن ينتظرك.