يسعى الدستور الجديد في دولة مالي إلى رفع نسبة اللامركزية والجهوية في الدولة التي استقلت عن فرنسا عام 1960، وعانت من صراعات مسلحة مريرة، لا مركزية يرى فيها الفقهاء الدستوريون الحل السحري لأزمة البلاد، بينما يعدها آخرون “خطراً حقيقياً” على البلاد.
خطوات جدية
الحديث عن تعديل الدستور في مالي ليس جديداً، فمنذ شهر أبريل من العام الماضي (2016)، وهنالك لجنة من الخبراء والفقهاء الدستوريين، وبعض المسؤولين الحكوميين، تعكف على صياغة دستور جديد للبلاد.
حسب ما هو معلن عنه بشكل رسمي فإن الهدف من الدستور الجديد هو أن يكون قادراً على استيعاب المرحلة الجديدة التي تستعد لها البلاد، والشروع في تطبيق اتفاق السلام الهش، ودمج مختلف المكونات الاجتماعية والعرقية والثقافية في تسيير شؤؤون الدولة.
ولكن الحديث عن التعديل الدستوري أصبح أكثر جدية يوم الجمعة الماضي (10 مارس) عندما استدعى الرئيس إبراهيما ببكر كيتا حكومته لاجتماع “طارئ”، كان على جدول أعمال هذا الاجتماع مناقشة مشروع قانون لمراجعة دستور 25 فبراير 1992، واستعراض المقترح الذي أعدته اللجنة المختصة لدستور جديد يتخذ من “معاهدة ماندي” مرجعية له، وهي المعاهدة المؤسسة لمملكة مالي (عام 1236م).
تهم “الطائفية”
التعديل الدستوري المرتقب في مالي، واجه انتقادات لاذعة في الأوساط السياسية والاجتماعية في البلاد، خاصة من ناحية اعتماده على “معاهدة ماندي” كمرجعية، إذ يقول منتقدوه إنه يكرس “الطائفية” من خلال هذه المرجعية التي “لا يجد فيها جميع الماليين ذواتهم”.
ويؤكد هؤلاء أن التعديل الدستوري المرتقب سيطيل من أمد الصراع المسلح في شمال البلاد الذي اندلع مطلع عام (2012)، وسيكرس الشرخ الاجتماعي بين الشمال الطارقي-العربي من جهة والجنوب الزنجي من جهة أخرى، وذلك من خلال إبرازه لهذه الطوائف كعوامل مرجعية في تسيير البلاد.
من أجل إنهاء الجدل وإطفاء نار الانتقادات الموجهة للتعديلات الدستورية، قطع الرئيس كيتا الشك باليقين حين اجتمع بحكومته يوم الجمعة الماضي، وبدأ الخبراء يدافعون عن هذه التعديلات الدستورية ويصفونها بالضرورية.
نقاط قوة
الخبراء يشيرون في دفاعهم عن التعديلات الدستورية إلى أنها تأخذ في الاعتبار نقاط اتفاق السلام الموقع في الجزائر، وهو اتفاق يواجه هو الآخر انتقادات حادة من طرف سكان الجنوب الذين يعدونه في مصلحة سكان الشمال، ويعطيهم استقلالية أكثر عن الدولة والحكومة المركزية في العاصمة باماكو.
ولكن الخبراء يؤكدون أن التعديلات الدستورية ستقوي المكتسبات الديمقراطية لانتفاضة 26 مارس 1991، كما أنها تتضمن إنشاء مؤسسات جديدة في مقدمتها “مجلس الشيوخ”، كغرفة ثانية في البرلمان المالي، بعد الجمعية الوطنية.
كما أن التعديلات –حسب نفس الخبراء- تعتمد “معاهدة ماندي” كمرجعية، ورغم الانتقادات التي واجهت هذه المرجعية، إلا أن الخبراء يؤكدون أن الهدف من ذلك هو “تثمين التراث الثقافي والتاريخي لمالي”، بدل ما قالوا إنها سنوات طويلة من عمليات “قص ولصق” من الدستور الفرنسي.
ويدافع الخبراء بقوة عن اعتماد “معاهدة ماندي” كمرجعية للدستور الجديد، مؤكدين أن هذه المعاهدة مصدر فخر بالنسبة لجميع الماليين إذ تدرس في أكبر وأعرق الجامعات العالمية واعتبرتها اليونسكو تراثاً إنسانياً.