1ـ بعيد اعتماد مجلس الوزراء، في دورته المنعقدة يوم 3 نوفمبر 2016، لمشروع التعديل الدستوري استضاف تلفزيون المرابطون الأستاذ/ محمد الأمين ولد داهي للتعليق على الحدث عبر برنامج “ساعة حوار” فصدع محرر دستور 20 يوليو 1991 بما كان سطر من وجوب حصول مشروع التعديل على مصادقة ثلثي أعضاء كل من الغرفتين على الأقل قبل تأتي عرضه على الاستفتاء الشعبي.. وبعد يومين من ذلك وتحديدا في يوم 5 نوفمبر نشر الأستاذ/ محمدو ولد محمد المختار مقالا تحت عنوان: “حول مسألة عرض التعديلات الدستورية على الاستفتاء مباشرة” أبدى فيه إمكانية لجوء رئيس الجمهورية للاستفتاء المباشر على أساس المادة 38 من الدستور.. حينها دفعتني أهمية المساطر الدستورية، التي اعتدت تمحيصها ونقدها منذ أكثر من عقد، للإدلاء بدلوي في مقال عنونته: “تنقيح المنشور حول تعديل الدستور”، نشر يوم 7 نوفمبر 2017 بينت من خلاله ضعف التأسيس على المادة 38 لاستفتاء الشعب حول تعديل المقتضيات الدستورية.
2ـ وبينما كنا نترقب تعقيبا من دعاة التعديل خفتت الأصوات وأقدمت السلطات على استدعاء غرفتي البرلمان للمصادقة على مشروع التعديل الدستوري فحسبنا الجدل منتهيا.. إلا أن الحديث الرسمي عرج على إمكانية العدول عن الاستفتاء الشعبي والاستغناء عنه باللجوء لمؤتمر برلماني للمصادقة على التعديلات الدستورية “اقتصادا للموارد وتوفيرا للوقت” مما بدا متناقضا لأن المصادقة على تعديل دستوري بصورة نهائية بنسبة ثلاثة أخماس هيئة ما، بعد مصادقة تمهيدية بنسبة أعلى (الثلثين) من ذات الهيئة الناخبة، تعتبر غير جلية مما دفعني لكتابة “طعن في نتائج تصويت المؤتمر البرلماني” بينت فيه خطأ اقتباس المادة 101 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية من المادة 89 من دستور الجمهورية الفرنسية دون انتباه المقتبسين لكونها تتناقض مع ما تتضمنه المادة 99 من الدستور الموريتاني التي تقرر مصادقة برلمانية تمهيدية لا يوجد مثلها في النظام الفرنسي.. وخلصت المعالجة إلى أن المنطق القانوني يقضي بكون مصادقة المؤتمر البرلماني على التعديلات الدستورية إنما تؤهلها للاستفتاء الشعبي قياسا على ما به العمل في البلدان ذات المقتضيات المشابهة.
3ـ ولا بد للمترشحين لاستنباط الأحكام وإصدار الفتاوى من مراعاة المقاصد وتعني الغايات المبتغاة من الأحكام والقيم والمصالح التي يسعى الخطاب إلى تكريسها ولعل المقاصد الدستورية تستحق لفتة في هذا الظرف.
إن سمو الدستور وكونه الميثاق الغليظ الذي تستمد منه السلطة شرعيتها والدولة شخصيتها يجعل مراعاة مقتضياته لازمة ومن واجب رئيس الجمهورية الذي تناط به حماية الميثاق أن يحمل الناس على احترام مبادئه وأسسه مما يحتم السهر على عدم زيادة فقرات الدستور بمحو وكشط تفرضه الأغلبية إذا كان التعديل لا يروق للكثير من المعارضين لأن الدستور في النهاية عقد بين جميع المواطنين ويتعين العمل على عدم كسر هيبته الكامنة في النفوس.. لذلك فمن غير اللائق أن تخوض المقتضيات الدستورية معمعان المنافسة الانتخابية كما أـن من الخليق برئيس الجمهورية الترفع عن التموقع الضيق، عندما يتعلق الأمر بالمقتضيات الدستورية، كي يلعب دوره كحكم.. ولأن من غير اللائق أن يحدد الشخص لنفسه القانون الذي يحكم تصرفاته مع الغير لما في ذلك من اتباع الهوى فمن غير الكيس أن يفرض رأس السلطة التنفيذية المقتضيات التي تناسبه “رغم أنف الآخرين”.
4ـ وعند ما يتوجب التأويل يتعين على المستنبطين استخدام القواعد المحددة في القانون الموريتاني ومنها المادة 476 من قانون العقود والالتزامات التي تنص على ما يلي: “بنود العقد يؤول بعضها البعض، بأن يعطي لكل منها المدلول الذي يظهر من مجموع العقد، وإذا تعذر التوفيق بين هذه البنود لزم الأخذ بآخرها ترتيبا في كتابة العقد.” ولا جدال في أن المواد 99 وما بعدها متأخرة في الترتيب على المادة 38 خاصة وأن من الثابت عند ذوي الاختصاص كون سريان العقود ونفاذها يدرج في مقدماتها كما يدرج تعديلها وفسخها في البنود الختامية ومن النشاز تنظيم التعديلات في صدر الميثاق.
ولأن مسطرة التعديل الدستوري مسطرة خاصة فمن اللازم احترام خصوصيتها وعدم إخضاعها للقاعدة العامة للاستفتاء مراعاة لمبدأ معتمد هو كون الخاص يقيد العام.
5ـ ولأنه لا قياس مع وجود الفارق يتعين أن ينتبه المختصون إلى عدم جواز قياس النظام الموريتاني على النظام الفرنسي لوجود فارق جلي يتمثل في كون الدستور الفرنسي يصنف بأنه دستور مرن، يسوغ تعديله بالاستفتاء الشعبي وبأغلبية ثلاثة أخماس البرلمان، بعكس الدستور الموريتاني الذي أناط التعديل بالاستفتاء الشعبي بعد تحقق بعض الشروط والواقع أن لكل من البلدين مصلحة في التعديل تنسجم مع ظروفه الخاصة.
صحيح أن الجنرال ديغول اقترح، بطريقة اعتبرها البعض تعسفية، إجراء تعديل على دستور بلاده ودفع بالتعديلات للاستفتاء الشعبي سنة 1962 وعندما رفضت التعديلات لم تسمح كبرياء الزعامة للجنرال بالاستمرار في الحكم فاستقال لأنه آنس بأنه لم يعد جديرا بقيادة شعب لا تقر غالبيته مبادراته.. ومن المفارقة أنه بينما نسعى لتدبيج علمنا بخطين أحمرين تكريما لمقاومة الاستعمار الفرنسي نبارك في نفس المسعى تمجيد الاقتداء بالسنة الفرنسية في التعديل والزعامة.
*محام موريتاني
[email protected]