اطلعت هذا المساء على مقال قيم نشرته بعض الصحف الإلكترونية للقاضي الأديب اللامع / أحمد ولد المصطفى تحت عنوان “فِي الجُزْءِ القَانُونِي مِن نِقَاشِ النَّشِيدِ الوَطَنِي” تحدث فيه عن حوار دار بينه وبين ضابط من المؤسسة العسكرية حدثه عن “اطلاعه على نسخة من نص قانوني يحدد (كن للإله ناصرا) نشيدا وطنيا”.
فلولا التزكيات والأوصاف التي أضفاها القاضي الجليل على محدثه لقلت إنني أنا من حدث سعادته بحديث من هذا القبيل عندما كنا نتابع طاولة مستديرة بثتها إحدى القنوات الوطنية بمناسبة 28 نفمبر 2015، كان أصحابها يتحدثون عن مرحلة الاستقلال وعن المقاومة وعن أن النشيد الوطني الحالي لم يُكرَّس قط بنص قانوني، الأمر الذي حدا بي إلى أن أقص على السيد القاضي قصة مفادها أنني اطلعتُ يوما على نص يكرس النشيد الوطني الحالي.
حدث ذلك في نفمبر سنة 1984 عندما كنت في المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار قائدا لمكتب الترجمة وكان قائد المدرسة يوم ذاك العقيد مولاي ولد بوخريص (جنرال متقاعد حاليا وشخصية اعتبارية معروفة).
كانت المدرسة يومها هي المركز العسكري الوحيد الذي يُكوِّن الضباط وضباط الصف لذا كانت مزدحمة بالفصائل من كلا الصنفين، ومن المعروف أن الفصائل العسكرية في التدريب تؤدي أناشيد حماسية عند تحركها ميدانيا وعند العروض العسكرية، فكان كل قائد فصيلة يومئذ يملي على فصيلته نشيدا مما يحفظ فكان كل يتصرف حسب هواه: فهذه فصيلة تغني: “عاشت موريتان حرة لنا @ دائما أرضها ملك لنا”، وتلك أخرى تغني: “هذا آخر نومنا @ بلادنا لاتشتكي@ شبابنا نفوسنا @ أرواحنا كل لك. وفصيلة أخرى تغني بأغاني شعبية أو أهازيج فولكلورية.
وبما أن المتعاونين الفرنسيين كانوا يومها هم من يتولى تسيير إدارة التدريب بالمدرسة فقد كانوا لا يهتمون كثيرا بتلك التفاصيل بسبب اعتراض إدارة المدرسة على نشيد بالفرنسية حاولوا فرضه على المتدربين بل إنهم أطلقوا العنان عمدا لقادة الفصائل لجعل فصائلهم يغنون أثناء تحركهم بالنشيد الذي يحلو لهم فكان هناك تذمر في أوساط الضباط المثقفين من انحطاط لغة وركاكة بعض النصوص المتداولة ومن طريقة أدائها الأمر الذي لفت انتباه قائد المدرسة المعروف بغيرته على اللغة العربية وبصرامته في تطبيق النظم المعمول بها فأمر فورا بوقف تلك المهزلة وبتحرير مذكرة داخلية تنص على توحيد النشيد الذي يُؤدَّى في المدرسة، بل كان طموحه أن يشمل حامية أطار عموما (المنطقة العسكرية الثالثة وقوات الصاعقة)، مؤكدا على أن يكون النشيد الوطني دون غيره من كل الأناشيد.
استدعاني العقيد مولاي وطلب مني تحرير تلك المذكرة، لكن عقبة حالت دون إصدار المذكرة فورا نظرا لأنه في الديباجة كان يتحتم أن يُذْكر رقم وتاريخ النص الذي كرس القطعة (كن للإله ناصرا) نشيدا وطنيا، كما كان يجب أن يضاف للمذكرة ملحق بنص النشيد، وأنا لم أكن أعرف يومها عدد الأبيات المنصوص عليها، من قطعة العلامة الشيخ بابه، أنها هي النشيد الوطني فأبلغت العقيد بذلك فقال لي إنه سيسافر قريبا في مهمة إلى انواكشوط وأنه سيعود بحول الله بالنص المكرس للنشيد وبالأبيات المنصوص عليها من القطعة على أنها هي النشيد الوطني.
بعد عودة العقيد من مهمته استدعاني وأعطاني مظروفا به أوراق إحداهن نص قانوني لا أتذكر الآن قوته، هل هو قانون أم مرسوم أم قرار وقال لي وهو يبتسم “هل تعرف من أين حصلتُ على هذا؟!!! لقد بعثت من يبحث عنه في الأرشيف الوطني فلم يجده لكني بعد جهد جهيد وجدته عند السيد / محمدن ولد سيد إبراهيم” (عميد الأدب الشعبي رحمة الله علينا وعليه).
وهكذا حُررتْ المذكرة وطُبق مضمونها حرفيا على المدرسة العسكرية، منذ ذلك التاريخ، وكان من بين قادة الفصائل آنذاك غالبية قادة المؤسسة العسكرية الحاليين.
أعرف في الجنرال مولاي ولد بوخريص، أمَدَّ الله في عمره، من قوة الذاكرة ومن الدقة في الأمور ومن الغيرة على الثوابت والمقدسات ما يجعلني واثقا من أنه لا زال يتذكر الحدث بحذافيره وربما لا يزال يحتفظ بالنص المذكور في أرشيفه الخاص.
تلك شهادة للتاريخ أعزز بها ما ذهب إليه سعادة القاضي أحمد من أن “خطوات التأسيس لم تكن ارتجالية فالرجال الذين وضعوا قواعد تأسيس الدولة كان منهم فنيو قانون وإداريون متمرسون وضعوا تلك القواعد بتمهل وتمعن، ولم تكن خطواتهم ارتجالية مطلقا، ولم يتجاوزوا فرعا من القانون، والمطلع على تاريخ القانون الموريتاني يحصل له العجب من غناء ذلك التاريخ وشموليته، فكيف لا يُحددُ النشيد الوطني قانونا والدستور ينص على ذلك؟”.
فلولا التزكيات والأوصاف التي أضفاها القاضي الجليل على محدثه لقلت إنني أنا من حدث سعادته بحديث من هذا القبيل عندما كنا نتابع طاولة مستديرة بثتها إحدى القنوات الوطنية بمناسبة 28 نفمبر 2015، كان أصحابها يتحدثون عن مرحلة الاستقلال وعن المقاومة وعن أن النشيد الوطني الحالي لم يُكرَّس قط بنص قانوني، الأمر الذي حدا بي إلى أن أقص على السيد القاضي قصة مفادها أنني اطلعتُ يوما على نص يكرس النشيد الوطني الحالي.
حدث ذلك في نفمبر سنة 1984 عندما كنت في المدرسة العسكرية لمختلف الأسلحة بأطار قائدا لمكتب الترجمة وكان قائد المدرسة يوم ذاك العقيد مولاي ولد بوخريص (جنرال متقاعد حاليا وشخصية اعتبارية معروفة).
كانت المدرسة يومها هي المركز العسكري الوحيد الذي يُكوِّن الضباط وضباط الصف لذا كانت مزدحمة بالفصائل من كلا الصنفين، ومن المعروف أن الفصائل العسكرية في التدريب تؤدي أناشيد حماسية عند تحركها ميدانيا وعند العروض العسكرية، فكان كل قائد فصيلة يومئذ يملي على فصيلته نشيدا مما يحفظ فكان كل يتصرف حسب هواه: فهذه فصيلة تغني: “عاشت موريتان حرة لنا @ دائما أرضها ملك لنا”، وتلك أخرى تغني: “هذا آخر نومنا @ بلادنا لاتشتكي@ شبابنا نفوسنا @ أرواحنا كل لك. وفصيلة أخرى تغني بأغاني شعبية أو أهازيج فولكلورية.
وبما أن المتعاونين الفرنسيين كانوا يومها هم من يتولى تسيير إدارة التدريب بالمدرسة فقد كانوا لا يهتمون كثيرا بتلك التفاصيل بسبب اعتراض إدارة المدرسة على نشيد بالفرنسية حاولوا فرضه على المتدربين بل إنهم أطلقوا العنان عمدا لقادة الفصائل لجعل فصائلهم يغنون أثناء تحركهم بالنشيد الذي يحلو لهم فكان هناك تذمر في أوساط الضباط المثقفين من انحطاط لغة وركاكة بعض النصوص المتداولة ومن طريقة أدائها الأمر الذي لفت انتباه قائد المدرسة المعروف بغيرته على اللغة العربية وبصرامته في تطبيق النظم المعمول بها فأمر فورا بوقف تلك المهزلة وبتحرير مذكرة داخلية تنص على توحيد النشيد الذي يُؤدَّى في المدرسة، بل كان طموحه أن يشمل حامية أطار عموما (المنطقة العسكرية الثالثة وقوات الصاعقة)، مؤكدا على أن يكون النشيد الوطني دون غيره من كل الأناشيد.
استدعاني العقيد مولاي وطلب مني تحرير تلك المذكرة، لكن عقبة حالت دون إصدار المذكرة فورا نظرا لأنه في الديباجة كان يتحتم أن يُذْكر رقم وتاريخ النص الذي كرس القطعة (كن للإله ناصرا) نشيدا وطنيا، كما كان يجب أن يضاف للمذكرة ملحق بنص النشيد، وأنا لم أكن أعرف يومها عدد الأبيات المنصوص عليها، من قطعة العلامة الشيخ بابه، أنها هي النشيد الوطني فأبلغت العقيد بذلك فقال لي إنه سيسافر قريبا في مهمة إلى انواكشوط وأنه سيعود بحول الله بالنص المكرس للنشيد وبالأبيات المنصوص عليها من القطعة على أنها هي النشيد الوطني.
بعد عودة العقيد من مهمته استدعاني وأعطاني مظروفا به أوراق إحداهن نص قانوني لا أتذكر الآن قوته، هل هو قانون أم مرسوم أم قرار وقال لي وهو يبتسم “هل تعرف من أين حصلتُ على هذا؟!!! لقد بعثت من يبحث عنه في الأرشيف الوطني فلم يجده لكني بعد جهد جهيد وجدته عند السيد / محمدن ولد سيد إبراهيم” (عميد الأدب الشعبي رحمة الله علينا وعليه).
وهكذا حُررتْ المذكرة وطُبق مضمونها حرفيا على المدرسة العسكرية، منذ ذلك التاريخ، وكان من بين قادة الفصائل آنذاك غالبية قادة المؤسسة العسكرية الحاليين.
أعرف في الجنرال مولاي ولد بوخريص، أمَدَّ الله في عمره، من قوة الذاكرة ومن الدقة في الأمور ومن الغيرة على الثوابت والمقدسات ما يجعلني واثقا من أنه لا زال يتذكر الحدث بحذافيره وربما لا يزال يحتفظ بالنص المذكور في أرشيفه الخاص.
تلك شهادة للتاريخ أعزز بها ما ذهب إليه سعادة القاضي أحمد من أن “خطوات التأسيس لم تكن ارتجالية فالرجال الذين وضعوا قواعد تأسيس الدولة كان منهم فنيو قانون وإداريون متمرسون وضعوا تلك القواعد بتمهل وتمعن، ولم تكن خطواتهم ارتجالية مطلقا، ولم يتجاوزوا فرعا من القانون، والمطلع على تاريخ القانون الموريتاني يحصل له العجب من غناء ذلك التاريخ وشموليته، فكيف لا يُحددُ النشيد الوطني قانونا والدستور ينص على ذلك؟”.