قال النائب في البرلمان الموريتاني عن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم محمد ولد ببانه، إن قيادة الحزب الحاكم تعاملت بطريقة “أقرب إلى الرعونة” في معالجة أزمة مجلس الشيوخ التي اندلعت منذ عدة أسابيع، داعياً الرئيس الموريتاني إلى التدخل من أجل تصحيح الأوضاع داخل الأغلبية الرئاسية.
وكشف ولد ببانه في مقابلة مثيرة مع “صحراء ميديا” تفاصيل الأحداث الأخيرة التي شهدتها فرق الأغلبية في غرفتي البرلمان الموريتاني، والتي بدأت في مجلس الشيوخ ووصلت خلال الأيام الأخيرة إلى الجمعية الوطنية.
ووجه ولد ببانه نداء لرئيس الجمهورية للنظر إلى الأغلبية بدقة من أجل تلافي بعض الأخطاء، مشيراً إلى أنه “ليس من المصلحة ونحن في هذه الفترة من تاريخ المأمورية الثانية أن يترك الحبل على الغارب لبعض القادة من أجل تفتيت هذا المجهود الكبير الذي تحقق على مدار عشر سنين”.
نص المقابلة:
صحراء ميديا: في البداية ما حقيقة الأزمة داخل فريق الحزب الحاكم بالجمعية الوطنية وتجديد هيئاته؟
محمد ولد ببانه: باختصار شديد هذا الموضوع كان من المفترض أن يكون موضوعاً عادياً جداً، لأنه استحقاق زمني يفترض أنه كلما اكتملت سنة على مكتب الجمعية الوطنية وهيئاته أن تجدد هذه الهيئات بإرادة من الحزب المشرف على الفريق البرلماني، وأن تبلغ الجمعية الوطنية بهذا التجديد، وهذا التجديد مبناه معطيين أساسيين: المعطى الأول قانوني وهو أن النظام الداخلي للجمعية الوطنية ينص على أن مأمورية المكتب سنة واحدة، وكل عمل خارج هذه المأمورية يعتبر خارج القانون، وهذا ما نعمل على عدم الوصول إليه من خلال الحرص على تجديد المكتب قبل أن تكتمل السنة.
المعطى الثاني هو معطى سياسي، والحزب هو من فرض هذا المعطى العام الماضي، عندما فرض مبدأ التناوب على المناصب وعلى الرغم من أنني كنت من معارضيه في ذلك الوقت نظراً لأنني أعتبر أن الجمعية الوطنية مؤسسة تتطلب كفاءات معينة والكفاءات يجب أن يتحمل الحزب المسؤولية في اختيارها، وعلينا نحن كفاعلين وكنواب أن نحترم القرار الصادر عن الحزب، ولكن للأسف الحزب اختار الطريق الثاني السنة الماضية وهي أن تمنح المناصب بالتناوب، أي أنه في كل سنة تتم إزاحة جميع أعضاء المكاتب والهيئات وإحلال آخرين جدد مكانهم، وعلى الرغم من عدم رضانا عن هذه الطريقة إلا أننا قبلنا بها انطلاقاً من التزامنا الحزبي وتبعيتنا كنواب لحزبنا.
صحراء ميديا: ما الجديد هذا العام؟
محمد ولد ببانه: الجديد هو أن السنة اكتملت وأصبح من واجب الحزب أن يفي بالتزامه للنواب الذين أقيلوا السنة الماضية حتى لا يفهم أن مقاربته العام الماضي كانت تستهدف بعض الأشخاص من أجل إقصائهم وتهميشهم من وظائف ومسؤوليات الجمعية الوطنية، وطبعاً من نافلة القول أنه لا يوجد نائب يحب أن يشعر داخل حزبه بأنه مستهدف من طرف قيادة حزبه بالإقصاء أو التهميش لأي سبب كان، وبالتالي المسألة لا تعدو كونها بالأساس الاستحقاق الزمني والسياسي الذي فرضه الحزب نفسه، ونحن الأسبوع الماضي قمنا بمجرد تذكير الحزب بأن الوقت قد حان وينبغي أن يتخذ المبادرة من أجل تجديد مكتب الجمعية الوطنية.
زد على ذلك أننا نلاحظ تباطؤ إدارة مكتب الفريق وتباطؤ قيادة الحزب في تنفيذ هذا الاستحقاق، ذلك ما فهمه البعض وأنا من ضمن من فهموا ذلك التباطؤ، وكلامي هنا لا يلزم غيري ولا أتحدث باسم مجموعة ولا أعتقد أن هنالك مجموعة داخل الجمعية الوطنية متفقة على رأي معين، ما أنا متأكد منه هو أن جميع أعضاء الجمعية الوطنية مجمعون على أن مبدأ التجديد مبدأ مقدس، إلا أن هذا التعبير الذي أقوم به الآن هو تعبير شخصي عن رأيي الخاص حول ما يجري، لذا فإنني أعتقد أن الحزب متقاعس عن عمد هو والفريق عن تنفيذ هذا الاستحقاق الذي يجب أن ينفذ في وقته وحسب مقاربة الحزب التي أقرها، كان من المفترض أن يجري كل شيء في ظروف طبيعية وعادية إلا أنه قبل يومين بعض المواقع كتبت معلومات مغلوطة عن بعض النواب داخل الجمعية الوطنية، وأعتبر أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بإرادة لدى جهات معينة من داخل الحزب، وهذه للأسف مصيبة أخرى بدأت تطالعنا منذ فترة وهي أن جميع ما يجري داخلنا بعد ساعة أو ساعتين، يوم أو يومين على الأصح، نجده مسرباً للإعلام، وكان من المفترض أن يكون مسألة خاصة ولا يخرج للإعلام، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك.
صحراء ميديا: ما علاقته بما يجري في مجلس الشيوخ….
محمد ولد ببانه: … هذا باختصار هو ما جرى في الجمعية الوطنية، ولا علم لي بأي تعاطف كان جماعيا أو تنسيقا جماعيا مع ما يجري في مجلس الشيوخ منذ أيام.
صحراء ميديا: ما موقفك كنائب وكقانوني مما يجري في مجلس الشيوخ؟
محمد ولد ببانه: بالنسبة لي كنائب في حزبي وكفاعل سياسي وكشخص مهتم بالساحة الوطنية بصورة عامة، فإنني أتفهم جداً أعضاء مجلس الشيوخ فيما عبروا عنه بشكل موضوعي، فهم لم يعترضوا على دعوة رئيس الجمهورية لتقديم مجلس الشيوخ إلى الاستفتاء، وأن تخضع الغرفة لمقتضيات الاستفتاء الشعبي سلباً أو إيجاباً، ما جرى هو أن هنالك أعضاء من الحكومة هاجموا غرفة دستورية محترمة، وأنا كنائب وكشخص لديه علاقة بالمجال القانوني، أرى في ذلك تطاولاً خطيراً وخارجاً على القانون وغير مقبول من شخص عادي أحرى من وزير أو من عدة وزراء وشخصيات نافذة في الحزب، وربما -كما يقول البعض- بتأطير وتوجيه من شخصيات قد تكون أكبر من ذلك؛ على كل حال ما جرى أي شخص طبيعي سيرفضه لأنه مساس بعمل مؤسسة دستورية وطعن في أفرادها وتدخل في مسؤولياتها وهي مازالت قائمة، وكان الأولى أن لا يتسرعوا حتى يجرى الاستفتاء ويتم إلغاؤها لتصفية مشاكلهم معها أو مع بعض أفرادها، من دون أن يقحموا الحكومة أو الحزب الحاكم في موقف سلبي من هيئة دستورية يحميها الدستور والقانون.
أنا متأسف جداً لأن يظهر الحزب وكأنه يقوم بتصفية الحسابات مع بعض الأشخاص، أو يفرض على قياداته أن تأخذ بعض المواقف من مؤسسات بسبب بعض الصراعات؛ على المستوى الشخصي لا علم لي بأن هنالك صراعات، ولكن هذا الهجوم المنظم الذي لم يعتذر أهله ولم يحاولوا حل المشكلة مع زملائهم، يفترض أن هنالك شيئا أكثر من مجرد رأي سياسي في غرفة معينة أو ما إلى ذلك.
صحراء ميديا: كيف كان يمكن تلافي الأزمة؟
محمد ولد ببانه: الملف كان يمكن حله بطريقة عادية، إلا أن الحزب تصرف بطريقة أقرب إلى الرعونة في معالجته، وهي أنه لم يكن من المقبول أن يدفع الشيوخ نحو الحضور بطريقة قسرية، ومعاملتهم بطريقة جدية بين التخيير أن يكونوا أشخاصاً لهم التزاماتهم أو يكونوا تابعين، وهنا أود التذكير بمقولة معروفة تفيد بأنني لا أريد أن أكون قائداً أمامك أو تابعاً وراءك وإنما أكون مساوياً لك في السير، هذا تعبير معروف وكان على قادة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية أن يحترموه ويعرفوا أن من معهم من الناس غير مستعد للمشي وراءهم ولكنه لا يريد أن يسير أمامهم وإنما يريد أن يسير إلى جانبهم بطريقة محترمة ومسؤولة ويجب عليهم أن يعاملوا القادة السياسيين والفاعلين جميعهم من هذا المنظور.
مجلس الشيوخ أثبت أنه مؤسسة محترمة لها رأي ومن هنا فإنني أطالب الحزب وأعضاء الحكومة الذين أساؤوا إليه بالتراجع عن الإساءة وبالسعي إلى تسوية المشكلة بطريقة طبيعية ولا تكون فرصة للآخرين خارج الأغلبية لرؤية بعض الممارسات التي قد تضر بوحدة الأغلبية.
صحراء ميديا: هل أنت قلق على وحدة الأغلبية، ما موقفك من الأجواء التي تعيشها هذه الأغلبية؟
محمد ولد ببانه: أنا متأسف جداً للأجواء التي تعيشها الأغلبية هذه الفترة، وإذا كانت تعبر عن شيء فإنما تعبر عن فشل الإدارة السياسية لقيادة الحزب، وحتى لبعض العناصر الأخرى في الأغلبية في إدارة الملف السياسي بصورة عامة، وهؤلاء القادة يتحملون المسؤولية كاملة، وأنا شخصياً لو كنت مكان أحدهم لقدمت استقالتي لأنني أعتبر أن شخصاً فشل في مهمة تم تكليفه بها من طرف زملائه وقادته يجب أن يقدم نفسه كبش فداء من أجل استمرارية المشروع السياسي بصورة عامة، وأدرك أيضاً أنه كان من الأولى بنا استثمار الوضعية الحالية ومساعدة رئيس الجمهورية في هذه الظروف التي تتطلب منا جميعاً أن نستثمر الدعوة الجريئة التي عبر عنها الرئيس في بعض الخرجات الأخيرة عندما منح فرصة نادرة ولم يسبق أن حدثت في البلد للتناوب من أجل أن يتطور البلد، وقال بصريح العبارة أنه لن يكون عقبة أمام أي ديمقراطية حقيقية، كان من الأولى بقادة الأغلبية استثمار ومحاولة خلق مناخ قوي داخل الأغلبية حتى تتمكن من تفهم ومتابعة وتحقيق هذا الأمر الذي لم يسبق أن تحقق في تاريخ بلدنا الحديث، وكان أيضاً من مهامهم الأساسية في هذه المرحلة أن يكتسبوا المعارضة ضمن فضاء سياسي مفتوح ومحاولة لم شمل الساسة الوطنيين بصورة عامة بدل الدخول في صراعات داخلية ومحاولة تأزيم الأوضاع داخل الحزب وداخل النظام ومحاولة التشويش على مواقف زملاءهم في المشروع السياسي، وأعتقد أنه كان من الأجدر بهم أن ينشغلوا بما يوحد الجميع أحرى ما يوحد حزبهم ومناضلي الأغلبية بصورة عامة من أجل مواجهة التحديات المقبلة، على كل حال رجائي في الأخير هو أن يتفهوا هذا وأن يفهموا ضرورة المحافظة على وحدة الحزب وقوته وعلى وحدة الأغلبية بصورة عامة.
في الأخير أوجه نداءً إلى السيد رئيس الجمهورية للنظر إلى الأغلبية بدقة من أجل تلافي بعض الأخطاء لأن هذه الأغلبية والناس التي في الحزب صوتت في الانتخابات لرئيس الجمهورية ومضت في هذا المشروع السياسي من أجل تبني أفكار أساسية عند رئيس الجمهورية وليس من المصلحة ونحن في هذه الفترة من تاريخ المأمورية الثانية أن يترك الحبل على الغارب لبعض القادة من أجل تفتيت هذا المجهود الكبير الذي تحقق على مدار عشر سنين من أجل خدمة الاستقرار في البلد وتنميته، وبالتالي أملي كبير في أن يأخذ السيد رئيس الجمهورية زمام الأمور من أجل تصحيح هذه الأوضاع داخل الأغلبية وترتيبها، وأيضاً أملي كبير في أن يتعاون قادة الأغلبية من أجل تحقيق هذه الوحدة المنشودة التي إن لم تتحقق داخل الأغلبية، فإن البلد لا يمكن أن يكون له طموح كبير في المستقبل لأن الأغلبية هي أكثرية الشعب الموريتاني وهي من بيدها زمام الأمور اليوم وأكيد بيدها زمام الأمور غداً إذا تواصلت الديمقراطية إن شاء الله بجميع مراحلها.