مستشفى الشيخ زايد بنواكشوط
بسم الله الرحمن الرحيم
اخوتي الأعزاء اسمحوا لي أن أحاول لفت انتباهكم إلى صفحات من الطب ووجهات نظر كثيرا ما جهلها البعض أو تجاهلها تحاملا من البعض أو اعتلالا لفهم أو استنهاضا للهمم من أخوة آخرين.فكلكم لاشك ترون في الطب فنا نبيلا لاغنى للكثيرين عنه وهو شرفه الله فكان معجزة للسيد المسح عيسى بن مريم عليه السلام.وعلوم الطب وهب من الله الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، و الغوص في درره كشف عن آيات الله في خلقه {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} وممارسة الطبابة نوع من الرحمة بعباد الله وعبادة للخالق – متى حصل الإخلاص في النية- وكسب مباح والمنشغل بالطب منشغل بفرض كفاية
هذا الإنسان الذي كثيرا ما سخر الكثير من وقته للقيام بهذا الفرض كان من المنطق أن نسالمه على الأقل، لكن الهجوم على الساعي في المصلحة ليس بالجديد، ومن هذا المنطلق فإن حظ الطبيب حظ كبير يتناسب ورحلته الشاقة التي أوصلته إلى العيش بين جدران مليئة بهموم الناس و آلامهم، عامرة بمصائبهم التي يحملها في ثنايا فكره ويتقاسمها معهم أتراحا وأحزانا. إنه إنسان مجد في طلب العلم منذو صغره وحنى مشيب نصف رأسه في الجامعة أو المعهد، يتعرض المسكين للسب وهو ضيف من أول يوم من زوار المريض لسبب أو بدونه. وقد يستقبل بالضرب وحتى التهديد بالقتل. و الموت في ساحة المعركة ليس بالأمر الغريب، ولعل الشاب الشهيد الدكتور ابراهيم –رحمه الله- الذي لم يكتف بالتضحية بنفسه في ساحة المعركة بل ضحى حتى ببعض أفراد أسرته ولم تنصفه الدولة ولا المجتمع و الدكتور محمدن النحوي تغمده الله برحمته الذي لم تتكبد الدولة أي مجهود في علاجه والدكتور زيدان المقعد المكافح على مقعده حتى هذه اللحظة.سادتي القراء يركب البعض من أصحاب النوايا السيئة أو الفهم السقيم موجة الأخطاء ليعبر من خلالها للنيل من عرض الأطباء وتتفيه دورهم ، وعند الحديث عن الخطأ الطبي يجب الفصل بين الخطأ الجراحي والخطأ في الوقفة الطبية و الأخير أندر إذا راعينا النسبة و التناسب، كما أن نسبة كثيرة مما يعتبره البعض أخطاءا هو عبارة عن مضاعفات وبين الاثنين بون يجب استيعابه ثم أن نسبة مهمة من الأخطاء راجعة إلى ضغوط يتعرض لها الأطباء بعضها اجتماعي و الآخر ذو طابع إداري.والخطأ الطبي يجب أن لا يستخدم لنزع الثقة من الطبيب وزرع الشك بينه وبين المريض ما لم يكن في ذلك خروج عن حدود المألوف.ونذكر هنا أن نسبة الأخطاء الطبية عالميا يقارب ال 5 % ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يموت سنويا أزيد من خمسين ألف شخص نتيجة أخطاء طبية بالمفهوم الصحيح للكلمة.في المملكة العربية السعودية وهي بلد متقدم من ناحية الخدمات الطبية ، نجد الدكتورة الشهيرة صباح أبو زنادة ترجع 80 % من الأخطاء الصحية إلى غياب نظم صحية تضمن تقديم خدمة آمنة. وفهما لخطورة التعجل في الخوض فيما يوصف بالخطأ الطبي يحظر على وسائل الإعلام في الجماهيرة العربية الليبية تناول أي اتهام لطبيب ما لم يصدر حكم قضائي أو يجرى تحقيق مستقل يؤكد ذلك. وفي اسبانيا يعتبر القانون أن الاعتداء على الطبيب جريمة تصل عقوبتها خمس سنوات سجنا . ولأهمية أمن الأطباء يسمح لهم بحمل السلاح في بعض بلدان العالم.ولا يخفى على عاقل تلك المخاطر التي يتعرض لها الأطباء أثناء تأديتهم لمهامهم بدءا بالسب و انتهاءا بالاصابة بالايدز (السيدا) والتهابات الكبد الفيروسية فضلا عن نقل الكثير من الأمراض لذويهم وبعض أصدقائهم بل و حتى جيرانهم..واغتناما مني لهذه الفرصة سأذكر بعض النواقص عل القائمين على الأمر يولوها مزيدا من الاهتمام فمن حق الطبيب على الدولة أن توفر له وسائل التدريب والتأهيل العلمي المستمر ووضع نظم تضمن جودة المؤسسات الصحية وفق معايير عالمية معروفة- إتاحة الاستفادة من الندوات والنؤتمرات والقاءات العلمية وإنشاء دورات لصقل المعلومات وتحديث المهارات – معاملة الطبيب بما يستحقه من التقدير والاحترام وصون كرامته عند إجراء أي تحقيق مهما كان نوعه – عدم الخلط بين مسؤولية الطبيب تجاه المريض بالعناية والزامية الشفاء- وضعه في ظروف مادية تتناسب وتضحياته وتزيد من اصراره وتعينه على تقديم المزيد من الجهود.وقبل الابتعاد كثيرا عن الموضوع فنحن نعرف أن الخطأ الطبي موضوع مثير يحتاجه الإعلامي وينبهر به المتلقي لكننا نتمنى أن يتعامل أصحاب السلطة الرابعة في المستقبل مع الموضوع بشيء من الحذر و الحيطة وذلك من خلال جمع المعلومات من مصادرها الموثوقة ويبتعدوا عن الإثارة و الاعتماد على نسج الخيال ، و أن يضعوا الأمور دائما في إطار مهني متوازنٍ يساهم في الحفاظ على أخلاقيات المهنتين(الطبية والإعلامية) ويمكن المواطن من الاطلاع على الحقيقة كما هي دون مغالات ولا تأليب.وفي الختام أهنئ معالي الوزير الدكتور الشيخ المختار ولد حرمه وجميع الأطباء و المواطنين على تجاوز الأزمة التي كادت تعصف بنظامنا الصحي لولا حكمة الحكماء في تناول القضايا.