شهدت الساحة الوطنية الأسابيع الماضية أزمة لغوية كادت تعصف بالوحدة الوطنية لولا أن تداركها الله برحمة منه ورحمته وسعت كل شيء، وحري بنا من باب التعليق والملاحظة أن نوضح بعض الأمور الملتبسة على البعض عسانا نساعد في حل لغز اللغة المعقد هذا.
إن اللغة العربية لغة القرآن ولغة الحضارة الإسلامية لاتخشى الإندثار ولا التلاشي كما يظن البعض فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي فصيح وهو محفوظ من لدنه تعالى لقوله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وعليه فاللغة العربية محفوظة حفظ القرآن الذي هو مرجعها فصاحة وبلاغة ونحوا وصرفا وبيانا. وما محاربة اللغة العربية التي يحمل لواءها المتشدقون باللغة الأجنبية إلا ممتدة حقيقة من محاربة الإسلام وما ينسب إليه من ثقافة ولا يخص ذلك بلادنا فحسب وإنما هي ظاهرة عالمية حملتها العولمة فيما حملت في جعبتها.
إنه من المؤسف والمخجل تماما أن ينفر العرب والمسلمون من لغتهم التي يكفيها فخرا أن كلام الله نزل بها وأنها لغة محمد صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين وخاتم النبيئين. ومن أمثلة ذلك النفور في مجتمعنا هو أن البعض ينعت اللغة العربية بأقبح النعوت فيقال إنها لغة “مغسولة” أي أنها مملة ولا تطرب السامع، ولسان حال اللغة العربية والمتحدثون بها يقول (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون).
لقد كان للاستعمار أثر واضح في انتشار اللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية في مجتمع مكون من فئات مختلفة، فكان بذلك يسعى إلى انسلاخ المجتمع من ثقافته ولغته وتراثه كي يتسنى له أن يعبث به ما شاء له أن يعبث ويتحكم في أطيافه ومكوناته المختلفة ومن ثم كانت بداية الصراع اللغوي في البلاد فكان من ثلة من المجتمع أن وجدت أن ثقافة المستعمر ولغته أصبحتا ضرورة من ضرورات التعايش فانبرت في صفوف مدارسه تدرس مناهجا باللغة الفرنسية بينما آثر البعض الآخر اللغة العربية والمناهج الأصيلة التي كانت المحاظر تبثها بين أبناء هذا البد ممن عايش الإستعمار، وكانت كل طائفة تحوي زنوجا وبربرا وعربا ولا يخفى على أحد الدور البارز الذي كانت تلعبه المدارس الزنجية من بث للإسلام وعلومه.
إن مجتمعا -على اختلاف أعراقه- يعتنق دينا واحدا هو الإسلام ما كان ينبغي له أن يختلف في التمسك باللغة العربية لأنها ضرورية لإتمام العبادات والشعائر على أكمل وجه، وبهذا المفهوم فقط تتم الوحدة الوطنية، تلك الوحدة التي متى ما نضب معينها فقدنا السيطرة على الأمن والإستقرار وفقدنا شرطا أساسا لقيام الأمم. فهلا تعلمنا من الدروس والتجارب الماضية درسا يجنبنا الإختلاف والفتنة، وهلا فهمنا أن تعريب الإدارة أوفرنستها ليستا إلا لعبتين سياسيتين خبيثتين يراد بهما تشتيت المجتمع وتفريقه.
إن المتشبثين باللغة الفرنسية ليسوا في الحقيقة زنوجا وإنما هم مجموعة متفرنسة تبغض اللغة العربية لا لسواد عيون اللغة الفرنسية وإنما من باب أن من جهل شيئا عاداه، فقد تعلم هؤلاء ودرسوا اللغة الفرنسية وغزوا الإدارة وسعوا في خرابها حتى صارت اللغة الفرنسية لغة الإدارة وصاروا هم النخبة المثقفة وهمش كل من كانت ثقافته عربية وأريد بعد ذلك أن تكون الذريعة هي خلق صراع عربي زنجي على أساس أنه صراع بين أنصار اللغة العربية وأنصار اللغة الفرنسية.
إنه لجدير بنا أن نطمئن من يخشى من تعريب الإدارة في البلاد أن ذلك أمر مستحيل وبعيد المنال في الوقت الحاضر كما نرجوا ممن تلقى نبأ إرادة تعريب الإدارة بحفاوة إستقبال أن لا تغره الأماني وأن يميز السراب من الماء وأن لا يعول كثيرا على الدستور فإن به موادَّ عهدهم بها حين عاهدوا عليها، وما دامت ثلة من المتفرنسين -عربا وبربرا وزنوجا- يفرضون ثقافتهم الفرنسية الدخيلة على مجتمعات لغتهم وثقافتهم إما عربية أوسونونكية أو ولفاوية أو بولارية فسيظل تعريب الإدارة ضربا من المستحيل، ولو أنصف الزمان لكانت اللغة الفرنسية مجرد لغة ثانية يتعلمها الناس من باب الإنفتاح على العالم الخارجي لا غير.
وعلى كل حال فالأمل مطلوب والقنوط مذموم وقد يأتي أمر يجرف الغثاء فتستوي سفينة اللغة العربية بمن حملت على جوديِّ الأمان “وما ذلك على الله بعزيز”.