غريب صمت النخب العربية، خاصة في المغرب العربي تجاه الصلف الأمريكي وسياسة الغطرسة ومحاولة التغلغل في المنطقة، إذ بات من الواضح أن اللعبة السياسية جعلت تلك النخب أسيرة فتات الموائد فاندمجت في عراكها الداخلي وصمت آذانها عن أزيز الطائرات.
وغريب أن يتم تجاهل كرامة الشعوب، ومصادرة حقها في الرفض، وحقها في العيش بكرامة فوق الأرض وتحت الشمس.
إن أمريكا تعرف قبل غيرها أنها مكروهة ومرفوضة، وأن سجل جرائمها يجعل الشعوب العربية تشمئز من مجرد ذكر اسمها.
لكنها فعلا لا تبالي وهي تستبيح الأرض والبحر والجو تحت أنظار وأسماع الجميع، وحالة الخنوع هذه تعطي رسالة خاطئة تجعل أمريكا تستمرئ هذا الوضع وتستثمر هذا الضعف، فأمامها خارطة ممزقة ونخب مائعة، وصراعات تنزف كالجروح الدامية.
أمريكا ترى هذا وتراهن على استمرار حالة الصمت، وعجز الشعوب عن رد الفعل والدفاع عن أراضيها ومقدساتها.
أمريكا التي تصدر آخر طبعاتها “أسد افريقيا 2010” نسيت أن إفريقيا موطن الأسود وأن الأسود تخرج من إفريقيا ولا تستورد من وراء المحيطات وأي أسد أعجف هذا الذي تتساط أسنانه، ويهز ذيله كقطط النفايات..
أي أسد هذا الذي يهزم أينما حل، وتلاحقه اللعنات حيث ما ذهب، فإن كانت أمريكا ترى أنها صنعت أسدا فهل ترى الشعوب أمامها أرانب وظباء سهلة الصيد، وسريعة الانقياد؟!
لقد أخطأت التسمية تماما كما أخطأت العنوان وهي الخطاءة، مرتكبة الخطايا التي تتخبط في سياساتها، فقد أفضت حربها في أفغانستان إلى فضيحة بعد أن جربت الكروز وجربت الطائرات المتطورة وتلك التي من دون طيار واستقدمت معها الحلف الأطلسي إلى قندهار وتورا بورا.. ونسيت الآن لماذا هي هناك؟ وأين هو الهدف الذي تبحث عنه.؟
وفي العراق بعد أن هللت وتكبرت وتجبرت وعجزت عن حماية جنودها أحاطت نفسها بالموالين لتستخدمهم دروعا بشرية تخبئ وراءهم جنودها..
ولم يجدها التنكيل ولا إعدام الأسرى، ولا شراء الذمم ولا رشوة الطوائف.. لقد أفضت حربها في العراق إلى حالة من الخزي سيسجلها التاريخ بعلامة بارزة اسمها “غوانتانامو”.
إن أمريكا لم تنس يوما حقدها على كل ما هو عربي، ولم يكفها ما أريق من الدماء ولا يغيب عن خارطة عملياتها في أي يوم الوطن الذي لا تكفيه جراحه ومشاكله وبؤسه ومعاناته مع حكامه وأنظمته ونخبه وأحزابه.
إن أمريكا لا يمكن أن تفكر يوما إلا من خلال رؤية “اسرائيلية” ولا تتعامل إلا مع ما يحقق أمن “إسرائيل” ويوفر لها الطمأنينة، وكل من يعتقد أنه بعيد عن “اسرئيل” وليس من ضمن دول الجوار، وليس معنيا بعذابات الشعب الفلسطيني واهم، لأنه حتى لو اقسم بأغلظ الأيمان ثلاثا فلا أمريكا ولا إسرائيل ستصدقه، لأنهم يرون أن كل هذه المنطقة لابد أن تكون خاضعة خانعة ذليلة تقبل الأوامر وتجيد الانحناء.
غريب أيضا من يتوهم أنه صديق لأمريكا، إذ ليس هناك من كلمة في القاموس الامريكي تعني “صديق” وإنما هناك فقط “تابع” أو كلمة “عدو”، وقد جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمر ليؤكد الأمريكيون أن من ليس معهم فهو ضدهم..
وتلك حقيقة راسخة في الذهن الأمريكي، ومن يرجع إلى التاريخ سيعرف كيف تعامل أمريكا أصدقاءها وكيف تستخدمهم وترميهم رمي النعال.
وحتى إذا قفزنا على الواقع ووضعنا عقولنا في ثلاجة وافترضنا أن أمريكا جادة في صداقتها، فلماذا تكون هذه الصداقة دائما لمصلحتها؟ ولماذا تدوسنا باسمها؟ ولماذا تعانقنا بالرصاص والقذائف والأساطيل..؟
أليست الصداقة أن تساعد هذه الدول على التنمية؟ أليست الصداقة في بناء المدارس أو شق الشوارع أو القضاء على الأمية ومحاربة الفقر والجوع والمرض؟
أليست الصداقة أن ترسى قواعد السلام، وتساعد على الحوار وإطفاء نيران الحرائق؟!
إن لأمريكا رؤية أخرى، وهي التي عملت بائع أكفان، يجيد استخدام النزاعات لدفع كل الأطراف لمزيد من التشرذم، ومزيد من الخلاف.
إنها خبيرة في الابتزاز وعلينا إعادة قراءة الأحداث في حرب الخليج، فقبل حرب الخليج كانت رؤية جندي أمريكي على ارض عربية أكبر من مستحيلة، وبعد أن عاثت في الأرض فسادا وأجادت تشجيع دولة على احتلال أخرى، أصبحت القواعد العسكرية سمة معمارية لدول المشرق العربي، والكل يتذرع بالأمن ليداري الخطيئة والشعور بممارسة الرذيلة.
إن الوجود العسكري الأمريكي مرفوض بكل أشكاله وصوره، والشعوب العربية ترفض سياسة الهيمنة وبسط النفوذ، وأي مبرر يفتح الطريق أمام جنازير الدبابات الأمريكية هو مبرر واه ومرفوض.
إن حالة الصمت لا تعني القبول، فإن كانت النخب عاجزة والأنظمة عاجزة، فإن الشعوب حية وقادرة واقرأوا التاريخ قديمه وحديثه فهذه أمة لا تموت.
سيدي محمد ولد ابه
كاتب صحفي- موريتانيا