ألقى الدكتور السيد ولد أباه؛ أستاذ الفلسفة والدراسات الإسلامية بجامعة نواكشوط في موريتانيا، محاضرة حول “المسألة الدينية والسياسية بين المسارين الغربي والإسلامي”، في قصر البحر في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
المحاضرة ألقيت بحضور كل من الفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ حمدان بن زايد ال نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الغربية، الشيخ سعيد بن زايد ال نهيان ممثل الحاكم، الشيخ سيف بن زايد ال نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، الشيخ ذياب بن زايد آل نهيان رئيس هيئة مياه وكهرباء أبوظبي، الشيخ نهيان بن مبارك ال نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والشيخ حمدان بن مبارك ال نهيان؛ وزير الأشغال العامة.
كما حضرها عدد من الشيوخ و الوزراء وكبار المسئولين ولفيف من السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى دولة الإمارات العربية المتحدة وعدد من رجالات المجتمع المحلي .
المحاضر بدأ بالإشارة إلى محددات تفصل بين المسارين العربي الإسلامي والغربي الأوروبي، وأجملها في أربعة محددات هي العلاقة التاريخية بين الدين والدولة في المسارين الغربي والإسلامي، والبعد العقدي السياسي لمفهوم الدين والبعد الحداثي للدولة أو تطورها وانسلاخها عن الدين والوضع الراهن المتعلق بأزمة الدولة.
وفي شرحه للمحدد الأول أوضح المحاضر ولد اباه انه اذا كانت الدولة الإمبراطورية احتضنت المسيحية وجعلتها دينا رسميا لها وذات طابع مؤسسي منظم ومحتكر لخلاص الفرد الا ان العكس حصل في الجانب الاخر حيث انشأ الدين الاسلامي الامة والجماعة والدولة وشكلها الا انه لم يمنحها حق تجسيد الدين او احتواء الامة الامر الذي تسبب في مأزق شرعيتها وهشاشتها التاريخية الدائمة.
واوضح في هذا الصدد ان الدولة الاسلامية اصبحت في نظر الفقهاء قهرية سلطوية بمقتضى ضرورات الحفاظ على الدين والامة وتجنبا للفتنة وذلك بخلاف دولتي النبوة والخلافة اللتين تظلان نموذجا فاضلا غير قابل موضوعيا للتحقق على ارض الواقع .
اما بالنسبة للمحدد الثاني الخاص بالبعد العقدي فقد بين المحاضر ان قيام المسيحية على فكرة تجسيد اللاهوت افضى الى استبدال الالهي بالبشري بينما الامر في الاسلام يتعلق باستخلاف الانسان في الارض مشيرا الى انه لم تتح لهذه التجربة التاريخية استكمال افاقها النظرية والعقدية .
واوضح المحاضر انه في الحالة الاولى / المسيحية/عندما تجسد الرب في شخص المسيح تحولت المسيحية الى ديانة / الخروج من الدين/ باتجاه العلمنة بينما لم يصبغ الاسلام / السني على الاقل / الدولة بالقداسة على الاطلاق حيث اعتبر اهل السنة نظام الإمامة فرعا من فروع الدين لا من أصوله وبالتالي تم النظر إلى السلطة باعتبارها حالة تواضعية أساسها القوة والغلبة.
وهكذا يصل الدكتور ابن اباه الى نتيجة جوهرية مفادها ان الاستخلاف في الاسلام يختلف عن التجسد في المسيحية من حيث انه يوكل الى الانسان / الحاكم/ اعمار الارض وادارة شئون الناس وليس القدرة على تجسيد المطلق في اشكال بشرية كالدولة التي تظل مؤسسة اجتماعية انسانية لا حالة دينية.
ثم انتقل بعد ذلك الى المحدد الثالث وهو البعد الحداثي مشيرا الى ارتباطه بمسار الانتقال من الدولة الدينية في الغرب الى الدولة العلمانية القائمة على الفصل بين الاعتقاد الفردي والمجال العام وبين المجتمع والدولة.
وقال ان الدين في هذه الحالة اصبح هنا جزءا من مقومات الاعتقاد الفردي ومشمولات الحريات الدينية وبالتالي فهو خارج حقل القيم الاجتماعية ولايدخل ضمنها باعتبارها دائرة للارادة المشتركة ولمجال المواطنة.
وطرح المحاضر سؤالا حول امكانية حدوث ذلك في المجال الاسلامي وهل ان مقتضيات التحديث والتحرر قابلة للانجاز خارج الحيز العلماني الغربي بضمان اساسيات وثوابت الديموقراطية التعددية وقيم الحرية الذاتية التي هي حرية الاعتقاد ومبدأ المواطنة ضمن النسق العقدي والحضاري الاسلامي دون الحاجة الى الفصل بين الدين والسياسة وانما التمييز بينهما اجرائيا ومؤسسيا.
وتناول ابن اباه البعد الرابع المتعلق بازمة الدولة العلمانية الغربية نتيجة ازمة الدولة مشيرا الى نموذج الفصل بين العام والخاص والسياسي والمدني وكذلك ازمة “الدولة الاسلامية” التي يطرحها الخطاب الاصولي الذي يعمل على تحويل الاسلام الى ايديولوجيا للدولة الوطنية القائمة التي تمثل افقا موضوعيا لامخرج عنه في اي تجربة سياسية راهنة.
واوضح ان مظاهرالازمة الاولى تتجلى في انحسار قدرة الدولة القومية في الغرب على الاحتفاظ بحيز المواطنة ضمن السيادة كما انها تشهد حاليا انقلاب العلاقة بين العام والخاص وعودة المكبوت الديني الى الواجهة العامة كمكون من مكونات الحوار العمومي في الغرب مايعني حسب احد فلاسفة الالمان ظهور /مجتمعات مابعد العلمانية/ يتجاور فيها المعتقدات الدينية والعلمانية بتسامح وتلقائية.
كما اشار الى ان حركات الاسلام السياسي التي ترفع شعار الدولة الإسلامية لا ترى الفرق الجوهري بين /الدولة الوسطية/ كما وصفها الماوردي في احكامه السلطانية باعتبارها حالة قهرية لا تجسد هوية الكيان الجماعي والدولة الحديثة القائمة على تعويض الدين في وظائفه الاجتماعية والرمزية.
واضاف ان الحركات الاصولية تنسى ان الدولة الحديثة قامت على استبطان واستيعاب الدين ثم التخلي عنه كاطار للتنظيم السياسي وبالتالي فان كل توظيف سياسي للدين يؤدي الى تحويله الى ايديولوجيا للدولة الحديثة الشاملة دون ان تتغير تركيبتها او يتبدل منطقها العميق.
واشار الى ان الصدام تحول الى صراع وهمي حول الدين والامة مؤكدا ان الخطأ الذي تقع فيه المنظمات الاسلامية هو تحويل الدعوة الدينية الى اجهزة واطر مؤسساتية وبين ان الاسلام الذي يتساءل البعض حول كونه دين ودولة استطاع التكيف مع اشكال عديدة من الدول كدولة الخلافة ودولة السلاطين مؤكدا في ذلك ان العدل هو الثابت الكلي الاوحد في نظرية الحكم الاسلامي.
ورد المحاضر في ختام المحاضرة على بعض الاسئلة موضحا بعض القضايا المتعلقة بالمحددات الاربعة الفاصلة بين المسارين الغربي والاسلامي وقال ان هناك رفضا لشعار الدولة الاسلامية وكذلك رفض للعلمانية لمناهضتها للدين مؤكدا ان /الحالة الطالبانية/ تمثل محاولة لرفض المجتمع الحديث والعودة الى دولة لم تعد مقوماتها متاحة اليوم.