شركة واحدة يبلغ عدد زبائنها ستة مليارات شخص هم سكان المعمورة، جملة لخصت وظيفة “القمة الحكومية” التي جمعت أغلب دول العالم تحت سقف منتجع جميرا بدبي، والتي أكدت في جلستها الافتتاحية على أن وظيفة الحكومات، بما فيها حكومة بلدي العزيز، هي خدمة الشعوب وليس حكم الشعوب.
كلاوس شواب، مؤسس ورئيس المنتدى العالمي، بقامته الفارعة وصلعته التي تعشق الأضواء وتذكر بثلوج دافوس، كانت له صولات وجولات على المنصة الفسيحة ذات الخلفية البيضاء، التي لم تسترح لحظة من وميض فلاشات جيوش الإعلاميين المدججة بأحدث الكاميرات.
تبارت في المنتدى الذي انعقد في الفترة10-12 فبراير الجاري أكثر المدن ريادة في جودة الخدمات. وخاضت برشلونة مباراتها في اليوم ضد سيئول ولندن، لكن بواسطة عمدتها العجوز، في جلسة بعنوان “خدمات رائدة في مدن عالمية”،حيث ناقش العمد واقع ومستقبل الخدمات بمدنهم وأثرها على حياة المواطنين، والعلاقة بين توفير الخدمات الحكومية والنمو والتنمية، وأدار الحوار ريتشارد كويست، الإعلامي الاستكوتلاندي الشهير الذي يطلق عليه البعض مهرج CNN.
لم تقدم “المجموعة الحضرية” تجربتها الفريدة واستخدامها أحدث وسائل التقنية في الصرف الصحي أمام الحضور. ولم يكن غيابها عن منصة المدن الذكية معناه أن عاصمتنا مدينة غبية، كما يروج له الذين يصطادون في مياه الأمطار العكرة، وإنما لكون الإدارة القديمة انتهت مأموريتها، والإدارة الجديدة لم تجد الوقت الكافي لانشغالها بالاقتراع.
شكلت القمة الحكومية منصة للمسؤولين الحكوميين الطامحين لتحسين نوعية الخدمات ولقادة الأعمال واستقطبت نخبة من صناع القرار والمختصين بتقديم أفضل الخدمات الحكومية على مستوى العالم، وذل بهدف تبادل التجارب، والاطلع على أفضل الممارسات من خلال المقارنات المعيارية Benchmarkingللوصول إلى توجهات مبتكرة للارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للجمهور.
غصت قاعة المؤتمرات الكبرى بالحضور وامتلأت القاعات المجاورة بورش العمل التي تناقش مستقبل القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم والنقل.وكان من المقرر أن يشارك في المؤتمر 3500 شخصا، لكن العدد تجاوز أربعة آلاف. ومن لم يسعده الحظ بأن كان من المدعوين، فعليه أن يدفع 4090 دولارا فقط عند قاعة التسجيل في الخيمة الفسيحة المبنية على منصة عائمة فوق البحيرة التي تفصل أجنحة المنتجع المبني على شكل مجمع للقصور التراثية على شاطئ جميرا بجوار فندق برج العرب الشهير.
تضمن المؤتمر العديد من الجلسات وورش العمل منها جلسة بعنوان “العالم سنة 2050” أدارها الدكتور بيتر ديامانديس مؤسس جائزة “إكس برايز”توقع فيها أن تشهد السنوات العشر المقبلة اختفاء 40 % من أكبر الشركات العالمية المدرجة في قائمة فورتشون لأكبر 500 شركة، وأعطى مثالا بشركة كوداك التي كانت رائدة في التصوير، لكنها فشلت في استيعاب ما يحمله المستقبل (الثورة الرقمية) وكانت نهايتها الزوال، وتوقع المتحدثون في الجلسة، أن تتافس الروبوتات مع الأيدي العاملة في دول مثل الإمارات العربية المتحدة، لتقوم بأغلب الوظائف، مما سيغنيها مستقبلاً عن استقطاب الأيدي العاملة من الخارج. والحمد لله أنهم لم يقولوا “إن شاء الله“.
إحدى الجلسات كانت بعنوان “خدمات حكومية درجة أولى” تحدث فيها السيد تيم كلارك الرئيس التنفيذي لطيران الامارات عن الجمود الإداري في الكثير من الدول قائلا: “المشكلة تكمن في أن الاجراءات المعتمدة اليوم في الكثير من الحكومات تم تنفيذها منذ 30 او 40 عاماً، كما أن قدرة الافراد على التغيير في تلك الدول محدودة جداً“.
ومن أهم الأفكار التي أكد عليها المؤتمرون: التركيز على الإبداع في الخدمات وإشراك أفراد الجمهور الذين من دونإشراكهم في تصميم الخدمات الحكومية ستظل الخدمة ناقصة. فالأفراد هم من يتلقون الخدمات وهم الذين لديهم متطلبات وتطلعات يتعين على الحكومات والقطاع الخاص تلبيتها.
الإمارات التي احتلت مراكز متقدمة في مختلف التصنيفات الحكومية العالمية كان لديها الكثير مما تقوله في القمة حيث أكد وزير الداخلية الشيخ سيف بن زايد على أن الإمارات قفزت من المركز 23 عالميا في انخاض الجريمة المنظمة إلى المركز الأول. وأطلق الشيخ حمدان بن محمد ولي عهد دبي استراتيجية دبي الطموحة للسنوات السبع القادمة، كما تحدث الشيخ منصور بن زايد عن توجهات الحكومة في السنوات القادمة وتركيزها على تطوير الخدمات في قطاعات أساسية كالصحة والتعليم.
وكشف المؤتمر عن التفاوت الواضح بين دول العالم في خدمة شعوبها. وبينت أحدث التصنيفات العالمية أن الريادة في هذا المجال لا تعود إلى التفاوت في الثروة ولا حتى في امتلاك التكنولوجيا، وإنما بترسيخ ثقافة خدمة الجمهور في الاستراتيجيات الحكومية. حيث تصدرت دول العالم في تصنيف الحكومة الذكية سنغافورة التي لا تمتلك أي موارد طبيعية، ولا توجد فيها أية صناعات تذكر، تلتها النرويج ثم دولة الإمارات علما بأن دبي التي حصلت على أفضل المراكز بين المدن العالمية يشكل النفط 5% من موازنتها السنوية.
الكثير من الوفود المشاركة لم يقدم أي تجارب رائدة لحكوماته واكتفوا بالجلوس في مقاعد المتفرجين، بما فيهم الوفد الموريتاني الذي اكتفى بالإشادة بدقة التنظيم وتثمين العلاقة بين الإمارات وموريتانيا وتهنئة دبي على فوزها بأكسبو 2020.