حجب الغبار واجهات المحلات التجارية في سوق الفحم في العاصمة نواكشوط، وانهمك صاغة الذهب في مطاردة الغيوم التي تتكدس أمام محلاتهم جراء عملية الصناعة اليومية لكميات الذهب، وتطول المطاردة في سباق محموم قبل أن تميل الشمس للغروب فالأبواب لم تعد تمنع تسربه.
تتسلل العملة الصفراء خلسة من بين أنامل الصناع التقليديين، رغم إجراءات الحماية التي يتخذونها في مواجهة قوى الطبيعة ينقل الهواء حصيات الذهب إلى حسابات آخرين خارج العملية.
“المحافظة على المال الذي نشتغل به تبدو مستحيلة، الذهب يفلت من بين أيدينا كلما اشتدت الرياح، وتيارات المحيط الأطلسي تنسف جزءا هاما من ثروتنا يقول عبد المالك تاجر ذهب وهو يرسل شاشة صينية لاكتشاف الذرات التي ربما تكون علقت بملابس زواره.
يركب خفيف الوزن بساط الرياح مغردا خارج المحلات التي دخلها أول مرة خاما ليخرجها مشتتا في الفضاء.
“الزوار هنا يحملون ثروة لا تقدر بثمن و من حيث لا يشعرون، أما نحن فقد بات لزاما علينا أن نجابه العملية بأدوات أخرى، مادامت الواجهات الزجاجية عاجزة عن صدها أمام قوة الطبيعة وجشع الهواة الذين يحاولون مجاراتنا في مهنة عتيقة نكسب منها قوتنا وقوت أطفالنا ” يقول عبد المالك.
يؤجر تجار الذهب محلات خاصة بهم في السوق الذي تباع بها المواد الغذائية، ويستقبلون العشرات من المواطنين أغلبهم نسوة محملين بقطع الذهب التي يراد إدخال تعديلات على شكلها أو أحجامها حسب الطلب، ومن إنجاز العملية يوفر الصناع التقليديون الوسائل الضرورية، ويحددون ثمن العمل الذي يقومون به، انطلاقا من معايير ومواصفات الشكل الذي يرغب فيه زبائنهم.
داخل أكشاك صغيرة تفرك قطع الذهب وتغسل وترتب وفق رغبة الزبون. الانشغال في عملية الفرك يخلف وراءه كميات من الغبار الرقيق تخرج عن نطاق السيطرة تائهة في الهواء، وبسبب صعوبة رؤيتها بالعين المجردة يضع الصناع نظارات خاصة ثاقبة الرؤية، لمتابعة خطوات الذهب قدر الإمكان، وكثيرا ما تموت مثاقيله خارج مختبر التحاليل بين أكوام النفايات، وتحت قدام المارة في سوق المدنية، قبل إحيائها من جديد على أيدي آخرين.
ومنذ سنوات قاد الفضول مجموعات من المواطنين لسبر أغوار المهنة، فقروا مطالبة ملاك الحوانيت بالسماح لهم بجمع القمامات المتكدسة أمام محلاتهم، ليكتشف هؤلاء أن خلف كل خرقة بالية يختلط الذهب بالنقاش، وحتى داخل القنينات الفارغة أمام محلات التجار، وتحول الفضول إلى حاجة ملحة.
اهتدى هؤلاء إلى طريقة للكسب: جمع الذهب بعد أن ذاقوا “طعم المغامرة”، كما يقولون.
العشرات يشدون الرحال يوميا إلى السوق المعروف باسم “سوق الفحم”، يدخلون بين أزقته الضيقة والممرات المؤدية إلى أبواب محلات صاغة الذهب، يجمعون النفايات و التراب التي مسها الذهب، متسابقين مع عمال البلدية الذين يطوفون كل مساء بالسوق لتنظيفها من القمامة.
وبعد جمع ما يمكن جمعه من خام القمامة، “يبدأ البحث عن معدن الذهب النفيس الذي يختلط بكل شيء داخل السوق” يقول سيدي وهو يمارس هذه المهن منذ سنوات، ويضيف الرجل الذي بات يكسب نقودا من عمله “نحمل ما يمكن حمله من نفايات، ونذهب إلى شاطئ البحر حيث نغسلها بالماء المالح، لتتمايز كميات الذهب عن باقي القمامة، فهي تبقى في قعر الإناء أما الأوساخ فتتصاعد في الماء.
ويضيف الشاب الثلاثيني “بعد أن يجف الماء تشعشع حبات الذهب مزدانة متميزة عن ما خالطها من أدران، ثم نبدأ في عملية التقييم، وقد نحصل على خمسة مثاقيل، وسعر مثقال الذهب (عيار 21) يباع حاليا بمبلغ 51 ألف أوقية، ثم نبيعه خاما، وقد نعود به إلى المختبر لصناعة أشكال وأحجام منه حسب رغبة زبنائنا، لكن هذه المرة ندفع للصناع أجرة العمل الذي يقومون به في معالجة قطع الذهب”.